في وقتٍ يعود فيه ملايين الأطفال حول العالم إلى مقاعد الدراسة مع بداية العام الدراسي الجديد، يُحرم أكثر من 13 مليون طفل في السودان من هذا الحق الأساسي، في واحدة من أسوأ أزمات التعليم في العالم، بحسب تقرير صادر عن منظمة “أنقذوا الأطفال” (Save the Children).
ويُظهر تحليل جديد للمنظمة، استنادًا إلى بيانات “التجمّع العالمي للتعليم في حالات الطوارئ”، أن نحو ثلاثة أرباع الأطفال في سن الدراسة في السودان من أصل 17 مليونًا باتوا خارج النظام التعليمي، إما بسبب النزوح أو دمار المدارس أو الانقطاع الكامل عن التعليم.
تعليم مفقود..ومستقبل في مهب الريح
تشير الأرقام إلى أن 7 ملايين طفل مسجلون في المدارس لكنهم عاجزون عن الالتحاق بها بفعل النزاع والتهجير، في حين أن 6 ملايين آخرين غير مسجلين إطلاقًا، ما يعرضهم لفقدان فرصة التعليم نهائيًا.
وتقول المنظمة إن الأطفال الذين انقطعوا عن التعليم منذ أبريل 2023 خسروا أكثر من عامين ونصف من التعليم المتواصل، وهو ما سيكون له أثر بالغ على حاضرهم ومستقبلهم.
وبالرغم من إعادة فتح أقل من نصف المدارس في السودان مؤخرًا، ما سمح بعودة 4 ملايين طفل إلى الدراسة، فإن أكثر من 55% من المدارس لا تزال مغلقة، ويُستخدم نحو 10% منها كملاجئ للأسر النازحة. وتزيد مخاطر الفيضانات في سبتمبر وأكتوبر من التحديات، مع احتمال تضرر البنية التحتية للمدارس وتهجير مزيد من الأسر والمعلمين.

طفلة من الخرطوم: “أشتاق لحقيبتي وصفّي”
رزان، طفلة تبلغ من العمر 10 أعوام من الخرطوم، وجدت نفسها فجأة خارج صفّها الدراسي عندما اضطرت للنزوح مع أسرتها إلى قرية قرب سنجة. تقول بحزن :
” عندما غادرنا الخرطوم، ظننت أننا سنعود بعد أيام. كنت أسأل والدي دائمًا: متى نعود إلى مدرستي؟ اشتقت لأصدقائي وصفّي. لا أريد المزيد من الحروب، فقط أريد أن أرتدي حقيبتي كل صباح وأتعلّم “.
نداء عاجل لإنقاذ جيل
قال محمد عبد اللطيف، مدير منظمة “أنقذوا الأطفال” في السودان، إن التعليم غالبًا ما يُنظر إليه كأولوية ثانوية في أوقات النزاع، لكنه في الواقع يشكل حجر الأساس لحماية الأطفال من المخاطر التي يتربص بها النزاع، من التجنيد في الجماعات المسلحة إلى العنف الجنسي.
وأضاف: ” حين يطول أمد الحرب، يضيع على الأطفال أهم سنوات التعليم، وهي سنوات لا يمكن تعويضها. البعض لن يتمكن من إتمام الثانوية، وآخرون قد لا يتعلمون القراءة والكتابة أبدًا. إن لم يتوقف النزاع الآن، فنحن أمام جيل مهدد بالكامل “.
ودعت المنظمة المجتمع الدولي إلى تكثيف الضغط من أجل وقف إطلاق النار في السودان، وتوسيع نطاق المساعدات الإنسانية، وتسهيل وصول الدعم إلى المناطق المتضررة، بما يسمح بعودة الأطفال إلى مدارسهم بأمان.

برامج تعليمية رغم الحرب
رغم التحديات، تواصل “أنقذوا الأطفال” جهودها في تسع ولايات سودانية، حيث تدعم أكثر من 400 مدرسة من خلال توفير الوجبات المدرسية، وإعادة تأهيل المدارس، وتزويدها بالمياه النظيفة والمرافق الصحية، إلى جانب تدريب المعلمين وتقديم الدعم النفسي للأطفال المتضررين.
يذكر أن منظمة ” أنقذوا الأطفال” تعمل في السودان منذ عام 1983، وتقدم حاليًا خدمات في مجالات الصحة، التغذية، التعليم، حماية الطفل، والأمن الغذائي.
في السودان كما في فلسطين، لا تُقصف المدارس فقط، بل تُقصف الطفولة ذاتها، فيما العالم العربي يشيح بوجهه، صامتًا أو متواطئًا.
ومع اتساع رقعة الألم من الخرطوم إلى غزة، تواصل جامعة الدول العربية أداءها الباهت، تكتفي ببيانات لا توقِف حربًا، ولا تُنقذ طفلاً. وكما خذلت فلسطين مرارًا، ها هي اليوم تخذل السودان… بنفس العبارات المستهلكة، ونفس الغياب الصاخب.
