حين تتحالف البكتيريا ضد السرطان
لم يعد السرطان معركـة يخوضها الإنسان وحده. في أحدث اكتشاف علمي قد يغير مسار العلاجات التقليدية، أعلن فريق بحثي من إمبريال كوليدج لندن وجامعة كولونيا الألمانية عن التوصل إلى جزيء بكتيري قادر على تعزيز فاعلية العلاج الكيميائي، فاتحًا الباب أمام جيل جديد من الأدوية المستوحاة من منتجات ميكروبية طبيعية.
الميكروبيوم في قلب المعركة
لطالما نظر العلماء إلى الميكروبات باعتبارها جزءًا من بيئة الإنسان الداخلية، تعيش في الأمعاء والجلد وتلعب أدوارًا مهمة في الهضم والمناعة. لكن المفاجأة أن الأبحاث الحديثة أثبتت أن الأورام نفسها تحتضن مجتمعات بكتيرية خاصة. هذه الميكروبات لا تقف موقف المتفرج، بل تؤثر على نمو الورم وعلى استجابة المريض للعلاج.
الجزيء 2-MiCit: اكتشاف محوري
من خلال أكثر من 1100 تجربة على نموذج الدودة C. elegans، اكتشف العلماء أن بكتيريا E. coli تنتج جزيئًا يعرف باسم 2-ميثيل إيزوسيتريت (2-MiCit). هذا الجزيء أثبت أنه قادر على مضاعفة فاعلية دواء 5-فلورويوراسيل (5-FU)، أحد أشهر أدوية العلاج الكيميائي.
اختبارات لاحقة على خلايا سرطانية بشرية ونماذج حيوانية، بما في ذلك ذبابة مصابة بسرطان القولون، أظهرت نتائج مذهلة: الجزيء لم يعزز فقط قدرة الدواء على قتل الخلايا السرطانية، بل ساهم أيضًا في إطالة عمر الكائنات المصابة.
الآلية: ضرب الطاقة في مقتل
يعمل 2-MiCit على تعطيل إنزيم أساسي في الميتوكوندريا، وهي “محطة الطاقة” داخل الخلايا. تعطيل هذا المسار يؤدي إلى تلف الحمض النووي وتنشيط مسارات توقف نمو الورم، ما يجعل الخلايا السرطانية أكثر عرضة للهجوم الكيميائي. الباحثون وصفوا هذه العملية بأنها محادثة كيميائية بين البكتيريا والسرطان، يمكن توظيفها لصالح المريض.
نسخة اصطناعية أقوى
ولم يتوقف البحث عند حدود الجزيء الطبيعي. فقد تعاون العلماء مع كيميائيين لتطوير نسخة اصطناعية محسّنة من 2-MiCit، تضاعفت فعاليتها في تدمير الخلايا السرطانية. هذا التطور يمهد الطريق أمام تصميم أدوية جديدة هجينة تجمع بين قوة الكيمياء التقليدية وحكمة الطبيعة.
أبحاث 2025: الميكروبيوم تحت المجهر
عام 2025 شهد دفعة قوية من الأبحاث التي تؤكد أن الميكروبيوم شريك لا غنى عنه في معركة السرطان. دراسة حديثة نشرت في Nature Medicine أظهرت أن تنوع ميكروبات الأمعاء يمكن أن يتنبأ بمدى استجابة المرضى للعلاج المناعي. وفي تجربة أمريكية رائدة، أدى نقل ميكروبات الأمعاء من مرضى استجابوا للعلاج إلى مرضى آخرين إلى تحسين نتائجهم بشكل لافت،هذه النتائج تعزز فكرة أن العلاج الفعّال قد يحتاج إلى أن يُصمم ليس فقط للمريض، بل أيضًا لميكروباته.
نحو طب مخصص مزدوج
تتجه الأبحاث اليوم نحو مفهوم الطب المخصص، الذي لا يقتصر على تحليل الجينات أو خصوصية كل مريض، بل يمتد ليشمل “بصمة الميكروبيوم” الخاصة به. هذا يعني أن خطة علاج مريضين يحملان الورم نفسه قد تختلف اختلافًا جذريًا إذا كان لكل منهما ميكروبات مختلفة.