في شمال تنزانيا، وعلى مقربة من الحدود الكينية، تقع واحدة من أغرب وأشدّ البحيرات غموضاً في إفريقيا، بل وربما في العالم: بحيرة ناترون . هذه البحيرة ليست وجهة سياحية تقليدية مليئة بالمنتجعات الفاخرة أو الأنشطة الترفيهية، بل هي منطقة تثير الدهشة والرهبة في آن واحد، لأنها تجمع بين جمال الطبيعة الأخّاذ وخطورة لا ينجو منها إلا القليل.
تُعرف بحيرة ناترون بخصائصها الفريدة، إذ تحتوي على مياه عالية القلوية تصل درجة حموضتها إلى ما بين 9 و 10.5، مع مستويات مرتفعة من كربونات الصوديوم والمعادن الأخرى. هذه التركيبة الكيميائية القاسية تجعل من البحيرة مكاناً قاتلاً لمعظم الكائنات الحية؛ فالطيور أو الحيوانات التي تلامس سطحها قد تتحجر وتتحول إلى ما يشبه “تماثيل طبيعية” بفعل ترسّبات الملح والمواد القلوية
وعلى الرغم من هذه البيئة القاسية، فإن البحيرة تُعد موطناً حيوياً لبعض الكائنات، أبرزها طائر الفلامنغو القزم (Lesser Flamingo)، الذي يجد في بحيرة ناترون مكاناً مثالياً للتكاثر، لأن ملوحتها الشديدة تحميه من الحيوانات المفترسة. ويُقدّر العلماء أن نحو 75% من أعداد الفلامنغو القزم في العالم تتكاثر هنا، مما يمنح البحيرة قيمة بيئية استثنائية.
بحيرة ناترون ليست مكاناً يصلح للسباحة أو الاستجمام التقليدي، غير أنّها تجذب المغامرين والباحثين عن تجارب مختلفة. المشهد العام ساحر: مياه حمراء أو برتقالية تتغير ألوانها حسب تركيز الطحالب والملح، أرضيات متشققة، وطيور الفلامنغو التي تكسو الأفق بلون وردي مهيب. إنها لوحة طبيعية تجمع بين الرعب والجمال، وتجعل من ناترون وجهة لا تُشبه أي مكان آخر في إفريقيا.
لكن هذا النظام البيئي الغريب يواجه تحديات، أهمها التغير المناخي والمشاريع البشرية مثل بناء السدود واستخراج المعادن، مما قد يهدد بتقليص مساحة البحيرة ويعرض موائل الفلامنغو للخطر
الجمال قد يكون قاتلاً، وهذه بحد ذاتها واحدة من أسرار هذا الكون الساحر.