التحولات الجيوسياسية الأخيرة في منطقة القوقاز وشرق المتوسط تُشير إلى إعادة رسم خريطة النفوذ الإقليمي، مع بروز تحالف أمريكي-تركي جديد يُعيد توزيع الأدوار ويُضعف تأثير إيران وروسيا في المنطقة.
ممر زنغزور (ممر ترامب) وتداعياته
الاتفاق الذي تم بوساطة أمريكية بين أرمينيا وأذربيجان، والذي منح الولايات المتحدة حق إدارة ممر زنغزور لمدة 99 عاما، يعد تحولًا استراتيجيا كبيرًا. هذا الممر، المعروف باسم “ممر ترامب للسلام والازدهار” (TRIPP)، يربط بين أذربيجان ونخجوان عبر الأراضي الأرمنية، متجاوزا إيران وروسيا، مما يُقلل من اعتماد أوروبا على مسارات الطاقة التي تمر عبر هذين البلدين.
اللقاء السوري-الإسرائيلي في باريس
في تطور غير مسبوق، التقى وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، بوفد إسرائيلي في باريس لمناقشة سبل تعزيز الاستقرار في المنطقة، خاصة في جنوب سوريا. هذا اللقاء، الذي تم بوساطة أمريكية، يُشير إلى محاولات لتقريب وجهات النظر بين الجانبين، وقد يكون له تداعيات على إعادة تشكيل التحالفات في المنطقة.
اتفاق الغاز بين أذربيجان وسوريا
وقعت أذربيجان اتفاقًا مع سوريا لتوريد الغاز عبر تركيا، مما يُعزز من دور تركيا كمركز إقليمي للطاقة ويُقلل من اعتماد سوريا على مصادر الطاقة التقليدية. هذا الاتفاق يُعزز من التقارب بين أنقرة ودمشق، ويُشير إلى تحول في العلاقات الإقليمية.
تركيا ومشروع إيست ميد: من المعارضة إلى الانخراط؟
لطالما عارضت أنقرة مشروع “إيست ميد” لنقل الغاز من شرق المتوسط إلى أوروبا عبر اليونان وقبرص وإسرائيل، كونه يتجاوز دورها الجيوستراتيجي. إلا أن تغير المناخ السياسي، وتزايد التنسيق التركي-الإسرائيلي، قد يدفع بتركيا نحو إعادة النظر في هذا الموقف. وفي حال انضمامها للمشروع، ستتحول فعلياً إلى عقدة مركزية في أمن الطاقة الأوروبي، وهو ما يكرّس موقعها كممر استراتيجي إجباري لنقل الغاز نحو الغرب.
إيران تحت الضغط: وضع دفاعي، محاولة عزل جيوسياسي وخسائر استراتيجية
تتزايد المؤشرات على محاولات عزلها من منظومة التجارة والطاقة الإقليمية، خاصة بعد إحكام السيطرة على ممر زنغزور الذي يربط أذربيجان بتركيا عبر أرمينيا، وهو ما يهمش دور إيران كممر بري حيوي. فوق ذلك، فإن التقارب السوري-الإسرائيلي برعاية أميركية، يُعد ضربة مباشرة للنفوذ الإيراني في سوريا، أحد أبرز أوراقها الجيوسياسية.
التصعيد خيار وارد: إيران لن تسكت؟
في ظل هذا الضغط، لا يُستبعد أن تسعى طهران إلى إعادة خلط الأوراق عبر توتر أمني أو عسكري، سواء في الجبهة الإسرائيلية أو عبر تحريك أوراقها في البحر الأحمر والعراق وسوريا ولبنان. التصريحات الإيرانية المتصاعدة واستعراض المناورات العسكرية الأخيرة تشير إلى استعدادها للدخول في مواجهة، إن رأت أن أمنها القومي يتعرض لخطر فعلي.
أذا، نحن أمام لحظة تحول محوري. التحالف الأميركي-التركي يعيد رسم خارطة التأثير، ويُهمّش دور قوى تقليدية كإيران وروسيا. ومع اشتداد الصراع على الغاز والممرات، يبدو أن شرق المتوسط والقوقاز سيكونان ساحة احتكاك طويل الأمد، يُعيد إنتاج صراعات قديمة بأدوات جديدة.
تحولات جيواستراتيجية: هل يُعاد رسم خارطة النفوذ الإقليمي؟
تشهد المنطقة تحوّلات جيوسياسية متسارعة، تبدأ من ممر زنغزور جنوب القوقاز، مروراً بسوريا، وصولاً إلى لبنان وساحل شرق المتوسط. في قلب هذه التحوّلات تبرز محاولات أميركية تركية – وربما إسرائيلية – لإعادة تشكيل النفوذ، في مقابل سعي واضح لعزل إيران وتطويقها إقليمياً.
التحالف التركي-الأميركي: خريطة نفوذ جديدة؟
التحالف التركي-الأميركي، المتقاطع مع تقارب تركي-سوري وإسرائيلي-سوري برعاية واشنطن، يهدف إلى تحويل ساحل شرق المتوسط إلى منطقة نفوذ مشترك، تُستبعد منه طهران. هذا التحالف يضغط بقوة على لبنان أيضاً، عبر فرض واقع سياسي وأمني قد يفضي إلى نزع سلاح حزب الله، أو على الأقل الحد من دوره.
هل ستُعزل إيران؟
السؤال الأهم: هل تقبل إيران بهذا العزل؟ الجواب المرجّح: لا. إيران لن تقف مكتوفة الأيدي، وستلجأ إلى أدواتها الإقليمية. من اليمن، حيث يمكن للحوثيين إشعال الجبهة مجدداً ضد إسرائيل، إلى سوريا، التي قد تتحول إلى ساحة مقاومة “شعبية” جديدة ضد التطبيع المحتمل، مروراً بلبنان، حيث يرفض حزب الله التخلّي عن سلاحه.
دور القوى الكبرى: الصين وروسيا
الصين وروسيا، المتضررتان من هذا التبدل في موازين القوى، لن تكونا بعيدتين عن الرد. فالصراع لم يعد محصوراً إقليمياً، بل بات جزءاً من مواجهة دولية أكبر حول الممرات الاقتصادية والطاقة والنفوذ الجغرافي.
رغم مظاهر التهدئة الحالية، إلا أن المنطقة مرشحة لانفجار جديد، إذا شعرت إيران أو حلفاؤها بأنهم باتوا خارج المشهد. الاحتمال قائم لتصعيد عسكري – مباشر أو غير مباشر – بهدف إعادة خلط الأوراق، في مشهد تتداخل فيه المصالح والمخاوف، وتُعاد فيه صياغة التحالفات على وقع التطورات الميدانية.