د.رانيا حتّي-باحثة في الشؤون الجيوسياسية
يرتكز دونالد ترامب في استراتيجيته على مقاربة جيوسياسية واضحة، يرى من خلالها أن المنطقة الأوراسية والشرق الأوسط تشكّلان فضاءً جيوسياسيًا بالغ الأهمية يجب إعادة تشكيله بما يخدم مصالح الولايات المتحدة على المدى البعيد، خصوصًا عبر السيطرة على المواقع الجغرافية الحساسة، والممرات البحرية الحيوية، والمنافذ التجارية العالمية.
يظهر هذا التوجّه في دعم ترامب لمشاريع توسعية مثل “إسرائيل الكبرى”، وتصريحاته بأن “إسرائيل دولة صغيرة ويجب توسيعها”، ما يعكس توجهًا لإعادة ترسيم الخرائط والحدود في المنطقة، سواء بين الكيان الإسرائيلي ولبنان، أو مع دول الجوار، تحت غطاء اتفاقيات سياسية أو واقع ميداني مفروض. كما يتضح أيضًا في دعم السيطرة على ممرات استراتيجية كـ”ممر زنغزور” (الذي يُسمّى أحيانًا “ممر ترامب”)، لما له من أهمية في ربط آسيا الوسطى بالبنى التحتية الغربية.
الهدف الأبعد لهذه الرؤية يتمثّل في منع التمدد الصيني عبر محاصرتها جغرافيًا والهيمنة على المنافذ البحرية التي تُعد شرايين التجارة والطاقة الصينية نحو العالم، خصوصًا أن بكين تعتمد على مشروع “الحزام والطريق” لربط أوراسيا بالأسواق الأوروبية والأفريقية. من هنا، تسعى إدارة ترامب إلى تقويض هذا المشروع من خلال السيطرة على المفاصل البحرية والموانئ في المتوسط والمحيطين الهندي والهادئ.
ويتلاقى هذا الطرح مع رؤية زبيغنيو بريجنسكي، الذي رأى أن السيطرة على أوراسيا ضرورية لبقاء الولايات المتحدة كقوة عظمى، لأن من يتحكّم بهذه المنطقة يتحكّم بالعالم سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.
مقاربة ترامب ليست ظرفية، بل استراتيجية طويلة الأمد، تقوم على:
– توسيع نفوذ الحلفاء عبر إعادة ترسيم الحدود.
– فرض خرائط سياسية جديدة تحقّق مصالح أمريكية.
– إحكام السيطرة على الموانئ والمضائق البحرية الحيوية.
– منع الصين من الوصول الحر إلى الأسواق عبر خنق منافذها البحرية.
– تحويل الجغرافيا إلى أداة للهيمنة الجيو-اقتصادية والعسكرية.
وهذا التوجّه قد يؤدي إلى تصعيد التوترات في مناطق التماس الجغرافي، ويزيد من احتمالات المواجهة مع قوى كبرى، وعلى رأسها الصين.