أسلم كيتا-تومبوكتو
في مشهد تاريخي يفيض بالرمزية والأمل، استقبلت مدينة تمبكتو في شمال مالي هذا الأسبوع دفعة من مخطوطاتها العريقة
التي تعود إلى قرون مضت، بعد أكثر من ثلاثة عشر عاماً من التهجير القسري نحو العاصمة باماكو.
الحدث جاء ليمثّل لحظة فارقة في مسيرة استعادة الهوية الثقافية الإفريقية، ويعيد الاعتبار إلى مدينة طالما وُصفت بـ”أثينا الصحراء”.
في عام 2012، وأثناء سيطرة جماعات متشددة مرتبطة بتنظيم القاعدة على شمال مالي، نُقِلت آلاف المخطوطات سراً إلى العاصمة
حفاظاً عليها من الحرق والنهب. حينها خاطر مثقفون وأهالي محليون بأرواحهم، متنقلين ليلاً عبر الصحراء محمّلين بصناديق
من الوثائق التي تضم معارف في الفقه والرياضيات والطب والفلك والأدب.
اليوم، وبعد سنوات من القلق، عادت جزء من هذه الكنوز – تقدر بنحو 5.5 أطنان من الوثائق – لتجد مكانها الطبيعي
في مكتبات تمبكتو ومراكزها البحثية، وسط أجواء من الفرح والاعتزاز الشعبي.
هذه العودة لا تُقاس بوزن الأوراق ولا بعدد الصناديق، بل بما تحمله من معنى حضاري عميق:
– انتصار الذاكرة على الإرهاب، ورسالة بأن محاولات محو التاريخ تُواجه بالتمسك به.
– إحياء الإرث الإفريقي الذي طالما ظل مهدداً، لكنه اليوم يعود إلى الواجهة بوصفه جزءاً من التراث الإنساني المشترك.
– إعادة الاعتبار لتمبكتو كحاضرة ثقافية وعلمية لعبت دوراً مركزياً في إنتاج المعرفة بإفريقيا جنوب الصحراء منذ القرن الخامس عشر.
وزارة الثقافة المالية، بدعم من منظمات دولية مثل اليونسكو، أعلنت نيتها رقمنة آلاف المخطوطات لضمان حمايتها
من الأخطار المستقبلية، وإتاحتها للباحثين في أنحاء العالم. كما يجري العمل على إطلاق بينالي ثقافي خاص بالمخطوطات،
من شأنه أن يجعل من تمبكتو منصة للحوار الثقافي والأكاديمي.
يقول أحد الأكاديميين المحليين: “هذه المخطوطات ليست مجرد أوراق قديمة، إنها حياتنا وذاكرتنا ومفتاح مستقبلنا.
لقد انتصرنا للمعرفة ضد محاولات الطمس”. بينما وصف ناشط ثقافي المشهد بأنه “ولادة جديدة لتمبكتو”،
مؤكدًا أن عودة هذه الوثائق ستُعيد المدينة إلى مكانتها كرمز عالمي للعلم والمعرفة.
عودة مخطوطات تمبكتو هي أكثر من مجرد استعادة وثائق تاريخية، إنها ملحمة إنسانية تُبرز قدرة المجتمعات على
حماية تراثها حتى في أحلك الظروف. وبينما يواجه العالم تحديات تتعلق بالحروب والإرهاب، يذكّرنا هذا الحدث بأن الثقافة
يمكن أن تكون سلاحاً ناعماً لكنها حاسماً في معركة البقاء.