د.رانيا حتّي -باحثة بالجيوبوليتك
يأتي الحديث عن ممر زنغزور، الذي أُعيدت تسميته إعلامياً بـ”ممر ترامب”، في سياق جيوسياسي دقيق يتقاطع مع مؤشرات صاعدة لإعادة تشكيل ميزان القوى العالمي. وإذا صحّت التقديرات بأن هذا المشروع كان جزءاً من جدول أعمال قمة ألاسكا الأخيرة بين الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين، فمن المرجّح أن يشهد هذا الممر تحوّلاً رمزياً واستراتيجياً، قد يُعبَّر عنه لاحقاً بتسميته “ممر ترامب–بوتين”، ليعكس توازناً جديداً في النفوذ بين قوتين أساسيتين في جنوب القوقاز.
شير دلالات القمة، لاسيما مشهد السماح لبوتين بوضع إكليل على نصب شهداء الاتحاد السوفياتي، إلى بعدٍ يتجاوز البروتوكول الدبلوماسي. فهذه الإشارات الرمزية تُعد مؤشرات على بداية تفاهمات غير معلنة حول قضايا إقليمية ودولية، من بينها مستقبل النفوذ في منطقة القوقاز، والتوازنات في الحرب الأوكرانية، التي قد تُعاد صياغتها ضمن رؤية تقوم على “توازن المصالح” لا “إقصاء الخصوم”.
في هذا الإطار، يتعزّز منطق “رابح–رابح” في العلاقات الدولية، بوصفه السبيل الأنجع لنجاح المفاوضات والتسويات، خاصة في البيئات المعقّدة التي تتداخل فيها العوامل الجيوسياسية مع الحسابات الاقتصادية والعسكرية. ففرض معادلات الغلبة يُنتج غالباً اضطرابات بنيوية، بينما يقوم الاستقرار على توافقات تعكس توازنات فعلية على الأرض.
ولا يمكن عزل هذا المشهد عن البُعد الصيني، إذ إن منطقة القوقاز تُعد حلقة استراتيجية ضمن مشروع “الحزام والطريق”، ما يجعلها ساحة محتملة للتقاطع أو التصادم بين بكين وواشنطن. وبالتالي، فإن التفاهم الروسي–الأميركي في هذه النقطة الجغرافية الحساسة ستكون له ارتدادات محتملة على الممرات الاقتصادية العالمية وعلى مستقبل العلاقات الأميركية–الصينية.
ختاماً، من المبكر إصدار تقييم نهائي لمخرجات قمة ألاسكا، إلا أن التطورات الميدانية المقبلة – في القوقاز، وأوكرانيا، وربما الشرق الأوسط – ستكون المؤشّر الحاسم للكشف عن طبيعة التفاهمات التي أُبرمت خلف الأبواب المغلقة. فكما في كل تحوّل استراتيجي، يبقى الواقع الميداني هو الإتجاه الرئيسي في اختبار صدقية التحولات الدبلوماسية.