منذ اندلاع النزاع المسلح في السودان في نيسان/ أبريل 2023، لم يكن القتال وحده ما يفتك بالبلاد، بل امتدت أذرع الأزمة لتطال ثرواتها الطبيعية والثقافية، في مشهد يجمع بين الفوضى الاقتصادية والكارثة الإنسانية.
ذهب، آثار، بترول، صمغ عربي، وحتى الماشية… جميعها وقعت في مرمى النهب والتهريب، فيما يعيش ملايين السودانيين تحت وطأة الجوع والنزوح.
الذهب… المورد الأهم في قبضة الفوضى
قبل الحرب، كان السودان ثالث أكبر منتج للذهب في إفريقيا، بإنتاج سنوي يتجاوز 100 طن، حسب وزارة المعادن السودانية. إلا أن 80% من الإنتاج كان يُهرّب خارج البلاد حتى في أوقات السلم، وفق مجموعة الأزمات الدولية.
مع اندلاع القتال، تحولت مناطق التعدين الكبرى في ولايات نهر النيل، وشمال كردفان، ودارفور، إلى مناطق نفوذ مسلحة، حيث يتم استخراج الذهب وتهريبه عبر الحدود مع تشاد، إفريقيا الوسطى، وليبيا.
تقرير خبراء الأمم المتحدة لعام 2024 كشف أن الذهب السوداني وصل إلى أسواق دبي وتركيا وروسيا، وحقق أرباحًا بمئات الملايين من الدولارات للجهات المتحكمة فيه. هذه العائدات، بدلًا من أن تدعم الاقتصاد الوطني، أصبحت تموّل المجهود الحربي وتطيل أمد الصراع.
الآثار… تاريخ يباع في الظلام
السودان، الذي يحتضن مئات المواقع الأثرية النوبية والمروية، فقد أجزاء من إرثه الحضاري خلال الحرب.
المتحف القومي بالخرطوم تعرض لسرقة مخزونه من المصوغات الذهبية والتحف الصغيرة، وتخريب معهد دراسة العظام الأثرية الذي أُنشئ بمنحة أوروبية عام 2019.
تقرير اليونسكو (2024) أشار إلى أن بعض القطع السودانية النادرة ظهرت في مزادات غير رسمية على الإنترنت، فيما رصدت السلطات محاولات تهريب تماثيل وأباريق أثرية عبر طرق برية لدول مختلفه.
البترول والصمغ العربي… شرايين اقتصادية مقطوعة
قطاع النفط، الذي كان يساهم بنحو 40% من الإيرادات الحكومية، توقف تقريبًا بعد تعطل خط أنابيب بورتسودان. هذا التعطيل حرم الخزينة العامة من العملة الصعبة، وفاقم أزمة الوقود داخليًا.
أما الصمغ العربي، الذي يمثل السودان 70% من الإنتاج العالمي منه، فقد تراجعت صادراته بأكثر من 60%، بعد أن وقعت مناطق إنتاجه في كردفان ودارفور تحت سيطرة جماعات مسلحة، ما أوقف الإنتاج وأضر بالأسواق العالمية التي تعتمد عليه في الصناعات الغذائية والدوائية.
إلى أين ذهبت الثروات؟
مع غياب الدولة وضعف السيطرة على الحدود، تدفقت ثروات السودان إلى شبكات تهريب دولية، مستفيدة من الفوضى السياسية والأمنية. الذهب يباع في الأسواق العالمية، الآثار تدخل مزادات سرية، النفط والصمغ العربي يتوقف إنتاجهما أو يهربان، بينما يخسر الاقتصاد السوداني مليارات الدولارات كان يمكن أن تُستثمر في الإعمار والتنمية.
وبالنهاية فالقصة السودانية اليوم ليست فقط عن حرب على الأرض، بل عن حرب على الموارد.
وبينما تتسابق الأطراف المسلحة على السيطرة على مناجم الذهب ومستودعات الآثار، يظل السؤال مفتوحًا: كيف يمكن استعادة هذه الثروات وحمايتها، في بلد يحتاج كل جرام ذهب وكل قطعة أثرية لبناء مستقبله بعد أن تتوقف البنادق؟
