بقلم Rob Geist Pinfold
في 16 تموز/يوليو، صعّدت إسرائيل بشكل كبير تدخلها العسكري في سوريا. وأثناء الاقتتال الداخلي بين الدروز والبدو وقوات الحكومة السورية في محافظة السويداء، انحازت إسرائيل إلى صفّ الدروز، وشنّت أكثر من 160 غارة جوية خلال 24 ساعة فقط. ثم قامت بتسوية عدة مبانٍ حكومية في العاصمة السورية دمشق بالأرض. ونشر وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، مقطع فيديو للهجوم على منصة “إكس” (تويتر سابقًا)، وصرّح قائلاً: “لقد بدأت الضربات القوية”، في إشارة إلى أن المزيد منها سيأتي.
ولتبرير قرارها باختيار المواجهة بدل التعاون في سوريا، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن إسرائيل لم يكن أمامها خيار سوى التحرك لـ “إنقاذ أشقائنا الدروز” من مجزرة وشيكة. هذا الادعاء قوبل — بطبيعة الحال — بكثير من الشكوك. فقد قُتل أكثر من 600 ألف شخص خلال الحرب الأهلية السورية، ومن المرجح أن هذا الرقم يشمل مئات، وربما آلاف، من الدروز. ومع ذلك، فإن تدخلات إسرائيل خلال الحرب لم تصل قط إلى مستوى هجماتها الأخيرة.
لفهم تصرفات إسرائيل بشكل أفضل، ينبغي النظر إلى تحولها من قوة محافظة على الوضع القائم إلى قوة مراجِعة (Revisionist Power). فعلى الرغم من مواجهتها لخصوم على جبهات متعددة — حزب الله في الشمال وحماس في الجنوب — كان صانعو القرار الإسرائيليون يعتبرون أن الوضع الاستراتيجي مقبول، وكانوا يسعون إلى تحسينات تدريجية ضمن الإطار الجيوسياسي القائم. وقد سعى نتنياهو جاهدًا لإبقاء حماس هادئة، ومنع قيام دولة فلسطينية، وإبرام اتفاقيات سلام مع حكام أوتوقراطيين في المنطقة.
قبل هجمات حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، كانت إسرائيل تعتبر الحرب الأهلية السورية شأنًا داخليًا. ولم تتدخل إلا عندما حاولت إيران استغلال الفوضى في سوريا لتزويد حزب الله بأسلحة متطورة أو ترسيخ وجودها على حدود إسرائيل. في سوريا وغزة وأماكن أخرى، وجّه نتنياهو الجيش الإسرائيلي إلى “جز العشب” — أي القضاء على أي تهديد مراجِع — بدل السعي لتغيير الأنظمة.
كان ذلك لأن الحكومة الإسرائيلية رأت أن الوضع القائم محليًا وإقليميًا يخدم مصالحها. فقد سمح لها بإغلاق حدودها مع غزة والتخلي عن أي مسؤولية تجاه سكان القطاع، وفي الضفة الغربية أوكلت إدارة الشؤون المدنية إلى السلطة الفلسطينية، مع ترسيخ احتلالها طويل الأمد. وعلى الصعيد الإقليمي، طبّعت إسرائيل علاقاتها مع قوى محافظة أخرى، مثل الإمارات والمغرب والبحرين، وكادت أن تفعل ذلك مع السعودية في أواخر 2023.
لطالما أطلق الإسرائيليون على نتنياهو لقب “الساحر” لطول بقائه السياسي، لكنه يستحق اللقب أكثر لأنه نجح في الجمع بين الاحتفاظ بالضفة الغربية والشعور بزيادة الأمان عسكريًا وتوسيع الاندماج الإقليمي.
غير أن هجمات حماس غيّرت كل ذلك. فقد تخلى نتنياهو عن الوضع القائم، وبدلاً من ذلك تبنّى استراتيجية “النصر الكامل” على حماس في غزة، وأفشل مرارًا محاولات التوصل إلى وقف إطلاق النار. وأكثر من ذلك، صعّدت إسرائيل هجماتها على حزب الله وإيران، وألحقت بهما أضرارًا كبيرة. وباختصار، أعاد نتنياهو تشكيل إسرائيل كقوة مراجِعة تعيد رسم ملامح المنطقة بالقوة العسكرية.
شهدت الأشهر الأخيرة جدلًا حول ما إذا كانت إسرائيل قد أصبحت قوة مهيمنة في الشرق الأوسط. لكن هذا النقاش يسيء فهم استراتيجيتها الكبرى الجديدة. فإسرائيل لا تطمح إلى الهيمنة على النمط الأميركي — أي ترسيخ وتعزيز توازن قوى ملائم استراتيجيًا — بل تستخدم القوة العسكرية لزعزعة استقرار الشرق الأوسط بأسره بهدف إعادة ترتيبه وصياغة نظام جديد.
هذا يعني أنه بدل “جز العشب” لاحتواء خصومها، تستخدم إسرائيل تفوقها العسكري النوعي لتحقيق “النصر الكامل” عليهم. وفي السابق، كان الصراع متعدد الجبهات إلى أجل غير مسمى أسوأ كوابيس إسرائيل، أما بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، فقد أطالت أمد “الحرب الدائمة” على جميع حدودها وخارجها.
وإذا كان لإسرائيل هدف نهائي الآن، فإنه أكثر طموحًا وتحويليًا بكثير. فنتنياهو ربما جعل رؤيته ضبابيّة لـ “اليوم التالي” في غزة، لكنه عبّر بوضوح عن رؤيته لـ “شرق أوسط جديد”. فهو يرى أن شلّ ما يُعرف بـ “محور المقاومة” سيمكّن السلام من النشوء من رماد النظام القديم، ويعتقد أن الدول العربية “المعتدلة” ستكون حرة في تطبيع علاقاتها مع إسرائيل عندما تزول مخاوفها من معرقلي التطبيع مثل إيران.
الهدف هنا لا يزال أن تحظى إسرائيل بالسيطرة الدائمة أو حتى ضم أجزاء من غزة والضفة الغربية، وفي الوقت نفسه تصنع السلام مع جيرانها. لكن طريقة الوصول إلى هذا الهدف تغيرت: أصبح الطريق المزعوم إلى السلام — في نظر نتنياهو — يمر عبر فوضى إقليمية متصاعدة.