وسط ضغوط دوليّة وعربيّة عالية، قرّرت الحكومة اللُبنانية سحب سلاح حزب الله قبل نهاية العام الحالي، فاختصر رئيس كتلة نوّاب الحزب في البرلمان اللُبناني الحاج محمّد رعد الجواب على ذلك بالتالي: ” لا تسليم للسلاح، ويروحوا يبلّطوا البحر، فمن يسلّم سلاحه يسلّم شرفه وينتحر”. ماذا يعني ذلك؟
- أولاً إنَّ العهد الجديد ممثلاً برئيس الجمهورية جوزف عون، ورئيس الحكومة نوّاف سلام، قرّر الإقدام على ما أحجم عنه سابقوه لجهة التصعيد المتدرّج لاستراتيجية سجب السلاح، بعد أن فشلت المفاوضاتُ بين الرئاسة والحزب في صياغة اتفاق حقيقي ومُلزم، وهذا بحد ذاته سيفتح باب الهجوم عليهما واسعًا.
- ثانيًّا أنَّ واشنطن ودول غربية ودولٌ عربيّة في مقدمها السعوديّة أوصلت إلى لبنان رسالة واضحة مفادُها، أنَّ التصريحات والوعود ما عادت تكفي، ولا بُدّ بالتالي من الانتقال إلى مرحلة التنفيذ الفعلي لقرار سحب السلاح، حتّى لو أدى ذلك إلى صدام مع الحزب، ذلك أنَّ المرحلة الحاليّة تختلف تمامًا عمّا كان عليه الشأن قبل النكسة العسكريّة الكُبرى التي أصيب بها الحزب في حربه الأخيرة ضدّ إسرائيل، وهي تختلف أيضًا بالنسبة لإيران التي أصابتها شظايا كثيرة من حرب نتنياهو على الجبهات السبع. وتعتبر هذه الدول أن ثمّة ” فرصة نادرة” أمام الدولة اللُبنانية لبناء هيبتها ومؤسساتها والقضاء على كل الميليشيات المُسلّحة نظرًا للدعم الدولي والعربي والمحلي لها. وإن ضيّعتها فسوف تتحمل مسؤولية الانهيار وتخلي الخارج عنها.
- ثالثًّا يتبيّن من التصريحات الأخيرة لحزب الله، بدءًا من أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، وصولاً إلى الرجل القوي فيه الحاج محمد راعد، أنَّ الحزب يُريد إيصال رسالتين واضحتين مفادُهم، أنّه خرج من النكسة، وضمّد جراحه، وعوّض خسائره البشرية والعسكريّة، وبات حاضرًا لأي مواجهة أخرى مهما كانت النتائج، رغم تفضيله في الوقت الراهن عدم الانزلاق الى حرب جديدة مع إسرائيل. أمّا الرسالة الأخرى فهي للحكومة وخصوم الحزب في الداخل اللُبناني الذين يعتقد الحزب أنّهم غالوا في توقّع هزيمته الكُبرى، واعتقدوا أنّه سوف يستسلم ويذهب صائغًا لتسليم سلاحه وتحجيم دوره في النظام.
- رابعًا: كان الكلام الإيراني على لسان علي لاريجاني مستشار المُرشد الإيراني، وأيضًا على لسان وزير الخارجية عباس عراقشي، والذي حمل دعمًا لحزب الله ورفضًا لتسليم سلاحه أو سلاح الحشد الشعبي في العراق، وحمل أيضًا اتهامًا واضحا لمن يريدون سحب السلاح بالانخراط في مخطط أميركي صهيوني، كان هذا الكلام مُعبّرًا على نحو واضح عن رغبة طهران بتوجيه رسالةً إلى الإدارة الأميركية، مفادُها أنّ أوراق المحور لم تحترق، وأنّها قابلة للتحرّك في أي لحظة، إذا ما ارتفع مستوى الضغوط على إيران واستمرار انسداد الافق التفاوضي، أو إذا غامرت إسرائيل وأميركا بتوجيه ضربة جديدة لطهران. وذلك رغم أن طهران لم تتحرّك عسكريًّا وعلى نحو فعلي حين قتلت اسرائيل أهم عمادٍ لها في المحور أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، ولا حين ذبحت إسرائيل الحزب وبيئته، ولا حين قتلت القيادي الكبير في حماس اسماعيل هنية في طهران نفسها، بل تحرّكت فقط حين استُهدفت أراضيها بقصف إسرائيليّ مُباشر.
-
خلاصة القول : أوضاع لبنان تقف على برميل بارود داخليّ وخارجيّ، قد ينفجر في أي لحظة، وباتت احتمالات الاشتباك أكثر من آمال التفاوض. فحزب الله يُدرك أنّه أمام لحظة مصيريّة في تاريخه خصوصًا بعد انهيار نظام حليفه بشّار الأسد وقطع طريق السلاح من إيران عبر سوريا إليه، ويريد اعادة التموضع داخليًّا وإقليميًّأ رغم صعوبة وخطورة ذلك. ونتنياهو عازمٌ على منع الحزب وأيّ طرف عسكري من المحور من استعادة عافيته وقدراته، والدولة اللُبنانية مضطرة للمضي قدمًا في تنفيذ وعودها والاّ سيبدأ تطويقها وإضعافها وانهيار كلّ وعود وآمال العهد الجديد، وكثير من التطورات المُقبلة سوف ترتبط بمدى تجسير الهوّة بين إيران وإدارة ترامب، أو تعميقها. لذلك فاحتمالات التوترات الداخلية اللُبنانية والتهدور العسكري مع إسرائيل كبيرة، وآمال العودة إلى لغة العقل والتفاوض أكثر من ضئيلة.