بنغازي-أحمد النبّاهي
رغم انشغال المشهد الليبي بهموم السياسة والأمن، ثمة قصة نجاح صامتة تنمو بهدوء في بساتين الجبل الغربي وسهول برقة: إنها قصة “الذهب الأخضر”، زيت الزيتون الليبي، الذي بدأ يفرض حضوره عالميًا بجودة فريدة وطابع محلي أصيل.
تُعد زراعة الزيتون من أقدم المهن الزراعية في ليبيا، حيث تشير التقديرات الحديثة إلى وجود أكثر من 8 ملايين شجرة زيتون منتشرة بين الجبل الغربي وسهل الجفارة ومناطق برقة. ووفقًا لبيانات منظمة الأغذية والزراعة (FAO)، يبلغ متوسط إنتاج البلاد من زيت الزيتون سنويًا حوالي 18 ألف طن، بعدما كان لا يتجاوز 7 آلاف طن قبل ثلاثة عقود.
لكنّ هذا الرقم لا يعكس سوى جزء من القصة. فالنوعية الاستثنائية للزيت الليبي، الذي يمتاز بانخفاض نسبة الحموضة (تتراوح بين 0.22% إلى 3.03% حسب توقيت الحصاد)، جعلته يحصد ميداليات ذهبية في مسابقات دولية كبرى خلال عام 2025، مثل مسابقة أناتوليا في تركيا، وبرلين، واليابان، حيث برزت أسماء مثل شركة الزيتونة الجبلية والأغناف والمشكاة كممثلين عن جودة الإنتاج المحلي.
من السوق المحلي إلى العالمية
رغم هذه النجاحات، ما زالت صناعة زيت الزيتون في ليبيا تواجه تحديات تسويقية. ففي عام 2019، لم تتجاوز صادرات ليبيا من زيت الزيتون 400 ألف دولار، لكنها قفزت إلى 1.37 مليون دولار بحلول عام 2023، بحسب بيانات منصة OEC. وتصدّرت تركيا وجهات التصدير بنسبة 63%، تلتها إيطاليا وتونس، ما يشير إلى اهتمام متزايد بالمنتج الليبي.
المفارقة أن ليبيا لا تزال تستورد زيت زيتون من إيطاليا وإسبانيا، حيث تصل قيمة الواردات في بعض الأعوام الى نحو 2.1 مليون دولار، ما يطرح أسئلة جدية حول جدوى السياسات التجارية الزراعية، وغياب استراتيجية تصنيعية تحوّل الزيت المحلي من منتج خام إلى علامة تجارية وطنية تُصدر بأضعاف القيمة.
الشباب الليبي والذهب الأصفر
اللافت أن بعض المبادرات الشبابية بدأت تملأ هذا الفراغ. تعاونية “غصن الزيتون” في الجبل الغربي، على سبيل المثال، تعمل على إحياء مزارع مهجورة وتدريب الشباب على الزراعة العضوية وتقنيات العصر في المعاصر. كما بدأت الجامعات الليبية دمج مقررات بحثية في الزراعة المستدامة، ما قد يمهّد لثورة زراعية هادئة تعيد الاعتبار للقطاع.
خلاصة القول إن زيت الزيتون ليس مجرد منتج زراعي في ليبيا، بل هو مكون من مكونات الهوية الثقافية والاقتصادية. وفي زمن تزداد أهمية الأمن الغذائي، تُعد زراعة الزيتون وتطويرها خيارًا استراتيجيًا، لا يقل أهمية عن النفط، لكنه أكثر استدامة.
إن تحويل “الذهب الأخضر” إلى قوة اقتصادية ناعمة يتطلب رؤية وطنية، ودعماً حكوميًا، وشراكة مع القطاع الخاص. فهل تكون ليبيا في السنوات القادمة بلد الزيت كما كانت بلد الزيتون منذ آلاف السنين؟
