ارتفع عدد السفارات التركية في افريقيا من 12 سفارة في العام 2002 إلى 44 سفارة في العام الحالي، وهو مؤشر واضح على مدى الاهتمام التركي الواسع بالقارة السمراء، حيث لأنقرة مصالح سياسية وأمنية وعسكريّة واستراتيجية تنافس الدول العُظمى أو تحلّ مكانها. وإلى 60 خط طيران مُباشر بين تركيا وافريقيا (بما فيها بعض الدول العربيّة الإفريقيّة)، فاقت قيمة التبادل التجاري بينهما 36 مليار دولار في العام 2024، أي بزيادة نحو 1،7% عن العام الذي سبق. أما الاستثمارات التركية فتخطّت 92 مليار دولار في العام الحالي وفق وزارة الخارجية التركيّة.
تزاوج تركيا في افريقيا بين القوّة الناعمة المتمثّلة، مثل بناء المستشفيات والبنى التحتية والمطارات والمدارس والمنح الدراسيّة، وبين الحضور العسكري اللافت وذلك منذ افتتحت في أيلول العام 2017 قاعدة “توركسوم” في مقديشو بالصومال، والتي اعتبرت أكبر قاعدة عسكرية خارجية تركية، تمتدّ على نحو 400 هكتار، وبقدرات تدريب عاليّة حيث تُخرج نحو 5 ألاف متدرّب.
في المجال العسكري أيضًا سلّمت أنقرة طائرات من نوع بيرقدار المسيّرة الى كل من السودان ومالي وأثيوبيا وصوماليا، وقد اثبتت فعاليتها في ضربات جوية أدّت إلى مقتل عشرات المقاتلين من الجماعات المسلحة في جنوب الصومال، وبعض هذه التدخلات أثارت انتقادات ضد تركيا على أساس انها استخدمت في بعض المرّات مرتزقة أو انها لم تحترم الحظر الدولي على الأسلحة لبعض الدول.
وصلت صادرات الدفاع التركية إلى 7.1 مليار دولار في العام 2024، بعد ارتفاع حاد بلغت نسبته 103 ٪ بين فترتي 2015–19 و2020–24، ما رفع حصتها في السوق العالمية من 0.8 ٪ إلى 1.7 ٪ وهذا ما يجعلها المرتبة الحادية عشرة عالميًا.
•وفي العام الحاليّ منحت تشاد تركيا قاعدة عسكرية في أبيشي، وهو ما شكّل أول وجود تركي بالساحل الإفريقي، وأبرز تطوّر استراتيجيّ تركيّ في المنطقة، ناهيك طبعًا عن ربط الوجود العسكري بمصالح اقتصاديّة كمثل استخراج المعادن في النيجر ومالي، وفق ما نشرت صحيفة لوموند الفرنسيّة المستقلّة.
هذا التوغّل التركي في افريقيا والذي لاقى ترحيبًا عند عدد لا بأس به من دول القارّة، ملأ فراغًا تركته القوى الغربية التي تراجع دور العديد منها على نحوٍ لافت وفي مقدمها فرنسا
الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، ينفي أي أبعاد استعماريّة لبلاده في افريقيا، ويقول إن استراتيجية أنقرة بُنيت على أساس (رابح-رابح) وتكافؤ المصالح، مع الإشارة إلى أنّه حين تخلّى العالم وبينه معظم العرب عن الصومال، كانت تركيَّا سبّاقة في مساعدة هذا البلد العربي الافريقي المنكوب على تخطّي مأساة الجوع وسارعت إلى التبرّع بأكثر من 201 مليون دولار في العام 2011.
خلاصة القول إنّ تُركيَّا رسمت نموذجًا لوجود إقليمي مؤثر في إفريقيا، مستفيدَة من استراتيجية “قوة ناعمة + قوة صلبة”، قائمة على استثمارات تنموية، توسّع دبلوماسي، تصدير لتكنولوجيا الدفاع، ودخول في مجالات التنمية والبنية التحتية. وذلك رغم ما تتعرض له أنقرة بين وقت وآخر لاتهامات بانتهاك الشرعية والتحريض ضد المدنيين، تجعل من حضورها أرضًا خصبة للملاحظات النقدية.
إن الثابت أن أنقرة لا ترغب في أن يكون وجودها مؤقتًا أو ظرفيًّا، بل جزءًا من مشروع طويل الأمد لإعادة تموضع تركي عالمي، في قارة تزداد أهميّة في الاستراتيجيات الاقليميّة والعالميّة.
