سامي كليب :
“كي تفهم الوضع في لُبنان، غادر لبنان “. الواقع أنَّ تناقض التحليلات الداخلية، وكثرة التسريبات المُضلّلة، والغرق بتبادل الاتهامات والشتائم، امورٌ تزيد هذا الوضع مأساوية وسوداوية وتعقيدًا، ولعلّها تضفي غُبارًا على الحدث أكثر مما توضحه. ولأن الصورة من الخارج أوضح، يمكن رصد المُلاحظات التالية من خلال رُعاة الوضع اللُبناني، واختصارُ آرائهم تقول :
· إنَّ الخطاب الأخير لرئيس الجمهورية العماد جوزف عون لاقى أصداء طيّبة وأيجابيّة في الخارج، خصوصًا عند الدول المعنيّة حاليًّا بالملف اللُبنانيّ، على أساس أنّه يواصل السير في الطريق الصحيح نحو بناء الدولة، أي نحو حصر السلاح بيد الشرعيّة ومكافحة الفساد. ومن غير المستغرب أن يسمع السائل جوابًا يقول:” إن ما حدث من إصلاحات في خلال الشهور الستة الماضية مُبهجٌ فعلاً” ومن المهم الاستمرار به، وأنّه يُعبّر عن وضوح الرؤيا عند رئيس الجمهورية وأيضًا عند رئيس الحكومة نوّاف سلام، ولذلك فالرجل يتعرّض لهجمات، كتلك التي يتعرض لها بعض رُعاة الوضع في الخارج. وهذا ما يناقض تمامًا وجهة نظر حزب اللّه ومؤيديه في الداخل والذين كالوا الاتهامات للرئيس واعتبروا خطابَه الأخير مسيء للحزب وبيئته وأنّه موجّه للخارج لا للداخل بغية إرضاء الولايات المتحدة الأميركية والسعوديّة الراعيتين الأساسيتين للوضع اللُبناني حاليًّا.
· يوجد إجماعٌ خارجيّ على أنَّ الوضع في لُبنان خطير، والسيناريوهات كلها مطروحة، لكن لا شيء محسوم، فإسرائيل قد تعود إلى مهاجمة حزب الله على نحو أعنف في أي وقت، والوضع الداخلي قد يشتد قتامةً إذا ما تناقضت الرؤى في الداخل ( وبعض ذلك قد تعكسه جلسة الحكومة يوم الثلاثاء)، لكن ماذا لو حدث تطور أمني داخلي وبادرت إسرائيل الى قصف قوات الحزب لو ظهرت على الأرض في الداخل تمامًا كما تفعل في السويداء. هذا وارد، لأنَّ المطلوب هو مزيد من إحراج الحزب ورفع مستوى الضغوط عليه في المرحلة المُقبلة. يريد نتنياهو وفق مسؤول غربي قريب جدًا من الملف اللُبنانيّ “شلّ حركة الحزب حتّى قبل حصولها فكيف إذا حصلت “، ذلك أن المطلوب هو منع الحزب من التعبير عن أيّ موقف يُشير الى استعادته عافيته.
· ثمة اهتمام خاص بموقف الرئيس نبيه برّي، الذي وإن كان يؤكد على التوافق التام مع حزب الله في سياق استراتيجية الثُنائي، الاّ أن المعنيّين بالوضع اللُبناني يلمسون ” تبايُنا واضحًا بين وجهتي النظر، وسعيًا حقيقيًّا من رئيس المجلس، نحو إيجاد حل “مضمون” لحصرية السلاح، بحيث يتم ذلك مع ضماناتٍ، بينما الموقف العميق للحزب هو رفض تسليم هذا السلاح مهما كان.
· من غير المُستبعد أن تستقبل الرياض الرئيس برّي في مؤشر واضح لدعم خيارِ الدولة وتشجيعه على المضي قُدُمًا في طي صفحة الماضي والوقوف الى جانب الرئيس عون في مساعيه الصعبة ولكن المفيدة، فالدعوة إلى الرياض ” قائمة وتنتظر فقط ترتيبات الزيارة التي قد تحصل في أي وقت” وفق مصدر قريب جدًا من الرياض.
· حين يقال لبعض الرعاة الخارجيّين للُبنان، إنَّ الحزب القلق من جنون نتنياهو ومن انعكاسات الوضع السوري واستئناف الارهاب، لن يكون بوارد تسليم سلاحه بالسهولة التي يتحدث عنها البعض، وإن له شعبية واسعة قد تقلب الأوضاع الداخلية رأسًا على عقب، ناهيك أنّه ما زال إحدى أوراق التفاوض الإيراني-الأميركي الضرورية، فكيف تتنازل طهران عنه ببساطة؟ ، يأتي الجواب كالتالي : ” إنَّ مناورات الأمس ما عادت تصلح لليوم، فلا الحزب هو نفسه بعض أن أصيب بأكبر نكسة له وفقد قائده الأهم، ولا إيران هي عينها بعدما أثبتت أنها لا تتحرّك سوى إذا ضُربت هي وليس أيّ من حلفائها، ولذلك فلعبة الشطرنج السابقة ما عادت صالحة لليوم ولمستقبل لبنان والمنطقة، وهذه واحدة من مشاكل الحزب حيث أنّه ورغم قناعته الداخلية بأنَّ كلَّ المعادلة العسكريّة والسياسيّة تبدّلت، ما زال يتصرّف كأنَّ شيئًا لم يحصل، رغم عجزه الواضح عن الرد على كل إهانات إسرائيل اليومية، وبدلاً من الرد عليها، يلجأ هو وبعض مؤيديه الى مهاجمة أميركا والسعودية وكل دور خارجيّ”.
· تقول الأوساط الخارجية المعنيّة بالوضع اللُبناني:” أن تحركات وتصريحات الحزب وبعض مؤيديه، توحي بتخبط كبير وليس باستقرار او انتعاش خلافًا لكلّ تصريحات مسؤوليه، فلا الرد على إسرائيل ممكن، ولا السكوت مُجدٍ، والحزب عالق بالتالي بين ماضٍ انتهى، ومستقبل مستحيل، لذلك فهو يريد ملء الفراغ بمناورات، تارة مع رئيس الجمهورية وأخرى عبر الرئيس بري، ويحاول الإيحاء بوجود هوّة بين رئيسي الجمهورية والحكومة، علّه يوسّع شقة الخلاف، ويعيد لُبنان الى مأزق دستوري بعد انتهاء ولاية الحكومة الحاليّة، أو من خلال الانسحاب منها ، لكن الدعم الدوليّ والعربي الكبير للعهد الجديد لن يتراجع بسبب تصلبٍ هنا وشتيمة هناك”.
· بالمقابل، لا تعلّق الأوسط الخارجية كبير أهمية على خصوم الحزب في الداخل، ذلك أنه باستثناء كلامهم اليومي عن سحب سلاح الحزب وحصريّة السلاح بيد الشرعيّة، “لم يقدّموا حتّى الساعة بدائل تُساعد الدولة على توليّ مهامها، أو تدعم فعليًّا خطوات العهد الجديد، ذلك ان معظم هؤلاء ينتمون الى مرحلة الفساد وتقاسم الحصص. بينما المطلوب هو تقديم بدائل داخلية جاذبة، والضغط على الخارج لتأمين دعم حقيقيّ للجيش، ولذلك يجري العمل داخليًّا وخارجُّا على تشكيل كتلة سياسية داعمة للرئيس عون في مجلس النوّاب العتيد، وتناسب المرحلة المقبلة التي ستكون حتمًا مختلفة عن الحاليّة، خصوصًا أنّه لم يخطئ حتى الساعة في كيفية التوفيق بين العزم على حصرية السلاح في يد الشرعية، وعدم الانزلاق الى صدام مع حزب الله. “
باختصار تُبدي الأوساط الخارجية المعنيّة بالوضع اللُبناني قلقًا على احتمالات تفجّر الأوضاع مُجدَدًا من جهة ، وأملاً بأن يقتنع الجميع بأنَّ ثمة صفحة طويت من تاريخ لُبنان، وأنَّ لا خلاص سوى بشرعية الدولة والاستمرار بالإصلاحات، وتأمل هذه الأوساط أيضًا بأن يمضي العهد الجديد بحزمٍ أكبر ووقتٍ اقل في خطته الحاليّة ” لأن الزمن تغيّر وما كان يُخيف في السابق ما عاد موجودًا اليوم”. وتعتبر هذه الأوساط أنَّ الفُرصة المعطاة للُبنان حاليًّا على المستويين الدولي والعربي تُشارف على الانتهاء، وما سيتبعها لن يُبشّر بأيّ خير أمني او سياسي أو اقتصادي، إذا ما تمت عرقلة خطوات الرئيس عون بالتعاون مع الرئيس برّي والرئيس سلام ، ليس في الاتفاق على الخطوات المقبلة فحسب، بل بتسريع هذه الخطوات وتحديد موعد زمني واضح لها. ذلك أنّ عدم القدرة على توقع ما قد يفعله الرئيس دونالد ترامب خطير، والأخطر منه قناعة نتنياهو بأنّه لا بُد من استكمال الحروب على الجبهات السبع لإخضاعها تمامًا.
هل وجهة النظر الخارجية هذه واقعيّة وقابلة للتطبيق؟ للننتظر ونر كيف ستكون ردة فعل الحزب وتحركاته واستراتيجيته في الأيام والأسابيع المُقبلة، فهو يبني استراتيجيته على نحو مختلف تمامًا رغم ضيق الأفق العسكري.