في صباحات يوم الأحد، عادة تكون شوارع العاصمة المغربية الرباط هادئة، حيث هو يوم عطلة يخصصه الرباطيون والمغاربة للتنزه في ضواحي المدينة أو الراحة في المنزل، لكن منذ ما يقرب من السنتين، بات هذا اليوم موعدا رسميا للمغاربة في شارع محمد الخامس وسط العاصمة، حيث المسيرة الوطنية الكبرى التضامنية مع الشعب الفلسطيني ومع المقاومة الفلسطينية.
لم تهدأ الحرب في قطاع غزة بعد، وكذلك لم تهدأ الشوارع المغربية من الوقفات والمسيرات التي تؤطرها وتنظمها هيئات حقوقية وسياسية رسمية مثل “الجبهة المغربية للدفاع عن فلسطين” و “المرصد المغربي لمناهضة التطبيع” و”الهيئة المغربية للدفاع عن قضايا الأمة” إضافة للأحزاب السياسية الوطنية كالعدالة والتنمية وحزب الاتحاد الاشتراكي الموحّد وحزب التقدم والاشتراكية وغيرهم…، ولم يكُف المغاربة عن التظاهر ولم تتعب الحناجر الصادحة في الرباط والدار البيضاء وطنجة وفاس ومراكش بشعارات “لبيك يا أقصى” و “بالروح بالدم نفديك يا فلسطين”، والنداء بوقف الحرب على غزة وقطع العلاقات ضد الكيان الإسرائيلي.
القضية الفلسطينية.. روحية ومُقدّسة
في المغرب، تحظى القضية الفلسطينية بهالة من القدسية والاحترام الشديد على المستوى الشعبي والرسمي، وتُعدّ ضمن أولويات الاهتمامات لدى المغاربة وفي السياسة الخارجية المغربية، وتتساوى في هذا الشأن مع القضية الوطنية الأولى عند المغاربة المعروفة بقضية “الصحراء”، وينعكس هذا الاهتمام المباشر في المبادرات المغربية لدعم فلسطين على مدار عقود من الزمن.
تعود أصول وخلفيات القداسة التي تحظى بها فلسطين لدى المغاربة إلى الدين الإسلامي بشكل كبير حيث المسجد الأقصى أولى القبلتين ومسرى الرسول الأعظم محمد (ص)، إضافة للرواية التاريخية لنصرة السلطان الموحدي يعقوب المنصور الذهبي للناصر صلاح الدين الأيوبي خلال الحروب الصليبية قبل تسعة قرون وتخصيص الحارة التاريخية في قلب مدينة القدس للمغاربة والتي اتخذت اسم “حارة المغاربة” على غرار أحد أبواب المسجد المسمى ب “باب المغاربة”.
كل هذه المعطيات الدينية والتاريخية وأخرى، كانت ولا تزال هي الأساس والدافع والمحرك الرئيسي للتفاعلات المغربية مع القضية الفلسطينية منذ تفجّرها قبل 75 عاما، وهذه التفاعلات يغلب عليها الطابع الروحي والديني والإنساني الذي يُغذي الفعل السياسي والدبلوماسي الرسمي اليوم وكذلك التضامني الشعبي.
وكالة بيت مال القدس. التزام رسمي ودعم لا مشروط.
على مدار 26 عاما منذ نشأتها بمبادرة من الملك الراحل الحسن الثاني واتخاذ الرباط مقرا لها سنة 1998، تواصل وكالة بيت مال القدس الشريف التابعة للجنة القدس المنبثقة عن منظمة التعاون الإسلامي عملها الإنساني والاجتماعي في دعم الفلسطينيين داخل القدس من خلال برامج ومشاريع حيوية تهدف إلى تعزيز صمود المقدسيين والحفاظ على الهوية الحضارية والدينية للمدينة المقدسة.
وخلال الحرب الشعواء الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة والضفة الغربية، نفذت الوكالة برامج إغاثية عاجلة، استطاعت عبرها إدخال كميات مهمة من المساعدات الغذائية والطبية للمدنيين في القطاع المُحاصر عبر معبر كرم أبو سالم، وقبل أيّام وقّعت الوكالة اتفاقية مع مستشفى المقاصد بالقدس لإيواء مرضى قطاع غزة ومرافيقهم ومعالجتهم بالمشفى بتغطية وإشراف من الوكالة.
كما نفّذت الوكالة نهاية الأسبوع المنصرم، بمخيم البريج داخل القطاع، المرحلة الثالثة من حملة الإغاثة الإنسانية المغربية الموجهة للنازحين وسط ظروف أمنية صعبة، وشملت هذه العملية الإنسانية توصيل مساعدات غذائية إلى 500 عائلة مستفيدة.
وفق آخر تصريح لمدير الوكالة السيد محمد سالم الشرقاوي لموقع “الجزيرة.نت”، فإن الوكالة لم تتلق أي دعم من جهة عربية أو إسلامية منذ عام 2011، باستثناء الدعم المغربي المباشر والمُنتظم، والذي يُقدّر في حوالي 8 ملايين دولار سنويا موزعة بين ميزانية التسيير وميزانية المشاريع، ويتم تنفيذ مشاريع الوكالة المقدر عددها في 200 منذ نشأتها، من خلال آليات تنظيمية لتسيير الأموال عبر مكتب ميداني في الأراضي الفلسطينية يتابع ويواكب التنفيذ.
علاقات متوازنة مع الأطراف الفلسطينية
من إحدى ميزات تعامل المملكة المغربية مع القضية الفلسطينية رسميا وشعبيا، عدم وضع تمييز بين الأطراف السياسية الفلسطينية خاصة حركتي فتح وحماس، فكلا الطرفين مُرّحب بهم في المغرب، وثمة احترام متبادل ملموس بين المملكة وحركة حماس من جهة وحركة فتح من جهة أخرى.
ولا تزال زيارة الراحل إسماعيل هنية إلى المغرب سنة 2021 مع أعضاء المكتب السياسي للحركة، ولقاءهم مع قيادات الأحزاب المغربية على اختلافها، شاهدة على التوازن المغربي في العلاقة مع كل الفرقاء الفلسطينيين، وعلى جدية المواقف المغربية والطرح المغربي في دعم القضية الفلسطينية بما يعلو ويسمو عن أي حسابات سياسية ضيقة تُذكيها جهات دولية أخرى.