Chido Munyati
العلاقات الاقتصادية الناشئة بين إفريقيا ومجلس التعاون الخليجي — أي دولة الإمارات العربية المتحدة، المملكة العربية السعودية، قطر، الكويت، البحرين وسلطنة عُمان — مرشّحة لنمو كبير، مدفوعة بمصالح متبادلة في مجالات التنويع الاقتصادي، والاستثمار، والتنمية المستدامة. فخلال العام الماضي فقط، أعلنت شركات تابعة لدول مجلس التعاون عن 73 مشروع استثمار أجنبي مباشر في إفريقيا، بقيمة تتجاوز 53 مليار دولار أمريكي.
يركز هذا الشراكة الاقتصادية المتنامية بين إفريقيا ومجلس التعاون، والتي تُشكّلها الجغرافيا المتقاربة، على معالجة قضايا حيوية مثل الأمن الغذائي، والتحول في مجال الطاقة، وتطوير البنى التحتية.
إفريقيا والخليج: شراكة اقتصادية ناشئة
خلال العقد الماضي، استثمرت دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة أكثر من 100 مليار دولار في إفريقيا. فقد استثمرت دولة الإمارات وحدها 59.4 مليار دولار، فيما استثمرت السعودية وقطر 25.6 و7.2 مليار دولار على التوالي. ومن اللافت أن الإمارات كانت خلال هذه الفترة رابع أكبر مستثمر أجنبي مباشر في إفريقيا، بعد كل من الصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
على سبيل المثال، في مارس الماضي، استحوذت شركة “إنترناشونال هولدنغ كومباني” الإماراتية على 51% من أسهم مناجم النحاس في “موپاني” بزامبيا. أما في يناير، فقد وقّعت الحكومة السعودية اتفاقيات مع أربع دول إفريقية لاستكشاف شراكات في قطاع التعدين. وفي عام 2020، استثمرت الخطوط الجوية القطرية 1.3 مليار دولار للحصول على 49% من أسهم شركة “رواند إير” و60% من أسهم مطار “بوغيسيرا” الدولي الذي لا يزال قيد الإنشاء منذ عام 2017.
تُعد هذه الاستثمارات والشراكات ضرورية وفي وقتها المناسب. ووفقًا لمؤسسة التمويل الإفريقية، تعاني إفريقيا من فجوة تمويلية في البنية التحتية تبلغ 150 مليار دولار، كما أشار تقرير الاستثمار العالمي الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) إلى انخفاض تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى إفريقيا إلى 45 مليار دولار في عام 2022، مقارنةً برقم قياسي بلغ 80 مليار دولار في عام 2021.
وفي الوقت نفسه، شهدت الاستثمارات والقروض الصينية في إفريقيا تراجعًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، ويُعزى ذلك إلى عدة عوامل من بينها التحديات الاقتصادية التي تواجهها الصين وتحول أولوياتها نحو نماذج تنموية أكثر استدامة. ونتيجة لذلك، بلغ إجمالي التزامات القروض الجديدة في عام 2022 نحو 995.5 مليون دولار فقط، مقارنةً بذروة بلغت 28.5 مليار دولار في عام 2016.
عصر جديد للتجارة والاستثمار
خلال العقد الماضي، ارتفع إجمالي الواردات والصادرات بين الإمارات العربية المتحدة وإفريقيا جنوب الصحراء بأكثر من 30%، بينما أصبحت التبادلات التجارية بين السعودية وإفريقيا جنوب الصحراء أعلى بـ12 مرة مما كانت عليه قبل عشر سنوات.
ومن المتوقع أن تُسرّع منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (ZLECA) هذا الاتجاه، حيث تتيح لشركات مجلس التعاون الخليجي الوصول إلى سوق إفريقي أوسع وأكثر تكاملًا. وقد أُطلقت هذه المنطقة رسميًا في عام 2021، وتهدف إلى إنشاء سوق موحد يضم 1.7 مليار نسمة ويصل حجم إنفاقه الاستهلاكي والمؤسسي إلى 6.7 تريليون دولار بحلول عام 2030. ومن شأن هذا الاتفاق التجاري التفضيلي أن يعزز الصادرات الدولية والتجارة البينية الإفريقية، مما يفتح آفاقًا هائلة أمام الشركات المحلية والدولية لدخول أسواق جديدة والنمو داخل القارة.
وفي مايو 2022، أطلق المنتدى الاقتصادي العالمي “منتدى أصدقاء منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية”، وهي مبادرة تهدف إلى تعبئة القطاع الخاص لدعم تنفيذ الاتفاق من خلال شراكات بين القطاعين العام والخاص. وقد ساهمت شركات من دول مجلس التعاون الخليجي بشكل فعال في هذه المبادرة في إطار خطة العمل الخاصة بالقطاع الخاص.
على سبيل المثال، تستثمر شركة “دي بي ورلد” (DP World)، وهي شركة لوجستية إماراتية متعددة الجنسيات، 80 مليون دولار في منطقة لوجستية ضخمة بمساحة 300 ألف متر مربع في مدينة “السخنة” بمصر، بموجب اتفاق مع المنطقة الاقتصادية لقناة السويس. كما وقعت الشركة عقدًا مدته 30 عامًا لتحديث وتشغيل جزء من ميناء “دار السلام” في تنزانيا.
وبنفس الاتجاه، تعمل شركة “أجيليتي” (Agility)، وهي شركة لوجستية دولية مقرها الكويت، على تشجيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتسهيل دخول الشركات متعددة الجنسيات إلى السوق الإفريقية، من خلال التعاون مع مزودي الخدمات اللوجستية المحليين، بهدف تعزيز الاستثمار والثقة وتحفيز حركة التجارة.
وفي خطوة مقبلة، سيطلق المنتدى هذا الأسبوع، خلال اجتماع خاص، شراكة مع الحكومة السعودية لدعم “منتدى أصدقاء منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية” وجهود المنتدى الأوسع في مجالي التجارة والاستثمار في القارة.
وبينما تمر المنطقتان بتغيرات اقتصادية عالمية كبرى، وفي إطار استراتيجيات الحد من المخاطر الناتجة عن العالم المترابط، يُتوقع أن تتعمق الشراكة بين إفريقيا ومجلس التعاون، مع تزايد في الاستثمارات والتبادل التجاري والمشاريع المشتركة، بما يعزز مناعة الاقتصاد ونموه المستدام.
تشيدو مونياتي هي رئيسة قسم إفريقيا وزميلة في برنامج القيادة العالمية في المنتدى الاقتصادي العالمي. سبق لها أن عملت كمحامية في مكتب المحاماة السويسري الشهير “Froriep”، وكذلك في المحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا التابعة للأمم المتحدة.