على الرغم من التزام الولايات المتحدة المعلن بمبدأ «الصين الواحدة»، حتى في ظل إدارات اتسمت بالتشدد حيال بكين، فإن صفقة السلاح الأخيرة مع تايوان، التي تُقدَّر بنحو 11 مليار دولار وتشمل منظومات تسليحية متقدمة، تثير تساؤلات جوهرية حول دوافعها الحقيقية وتوقيتها السياسي والاستراتيجي.
لا يمكن فهم هذه الصفقة ضمن حدود مضيق تايوان أو بحر الصين الجنوبي فحسب، بل يجب وضعها في سياق أوسع يرتبط بالتنافس الجيوسياسي العالمي. فالتحركات الأميركية تأتي في إطار سعي واشنطن إلى احتواء تمدد النفوذ الصيني خارج آسيا، ولا سيما في ما يُعدّ تقليديًا «الحديقة الخلفية» للولايات المتحدة، مثل منطقة الكاريبي وفنزويلا. وفي مقابل الدعم الصيني المتزايد لكاراكاس، تعمل واشنطن على كبح هذا التمدد ومواجهة شبكة التحالفات الصينية–الروسية–الإيرانية في عمق القارة الأميركية.
إلى جانب البعد الجيوسياسي، يبرز عامل حاسم يتمثل في الموقع التكنولوجي الفريد لتايوان. فالجزيرة تُعدّ أحد الأعمدة الأساسية في صناعة الرقائق الإلكترونية المتطورة، التي تشكّل البنية التحتية للصناعات الاستراتيجية المعاصرة، من الذكاء الاصطناعي إلى أنظمة التسليح الذكية والطائرات العسكرية المتقدمة. هذا الاعتماد الأميركي العميق على القدرات التايوانية في مجال أشباه الموصلات يفسّر درجة التمسك الاستراتيجي بتايوان، باعتبارها حلقة مركزية في منظومة التفوق التكنولوجي الغربي.
من هنا، يتجاوز الصراع مسألة السيادة الإقليمية أو المصالح القومية المباشرة، ليدخل في صميم النظام العالمي الرقمي–التكنولوجي. إنها مواجهة ذات طابع بنيوي، حيث بات التحكم بسلاسل إنتاج الرقائق والذكاء الاصطناعي عاملًا حاسمًا في إعادة تشكيل موازين القوة في القرن الحادي والعشرين.
في هذا السياق، يمكن توصيف المشهد الدولي على أنه انزلاق نحو «حرب باردة جديدة»، تُدار عبر وكلاء، وعلى مسارح متعددة، وبأدوات أكثر تعقيدًا وخطورة من السابق. النظام الدولي نفسه أصبح موضع اختبار: هل يتجه العالم نحو تعددية قطبية تنافسية، أم إلى إعادة إنتاج أحادية قطبية مستندة إلى التفوق التكنولوجي؟
في المقابل، تنظر الصين إلى تايوان باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من أراضيها، وتتعامل مع مسألة استعادتها كأمر حتمي مؤجل، لا كخيار سياسي قابل للتفاوض. هذا الموقف يفتح الباب أمام احتمال الصدام المباشر إذا ما رأت بكين أن مصالحها الاستراتيجية في تايوان أو في مناطق متنازع عليها، مثل بعض الجزر في بحر الصين الجنوبي، باتت مهددة.
بذلك، لم تعد المواجهة محصورة في شرق آسيا، بل تحولت إلى صراع عالمي متعدد الأبعاد، يتمحور حول الهيمنة على الاقتصاد الرقمي، والتكنولوجيا المتقدمة، وإعادة توزيع القوة في النظام الدولي. مستقبل هذا النظام بات على المحك، بين سيناريو تعددية قطبية متصارعة، أو استمرار أحادية مقنّعة بسلاح التفوق العلمي والتكنولوجي.
