من قلب الدوحة، وأمام 84 ألف متفرج بملعب لوسيل العالمي، لم يكن نهائي كأس العرب 2025 إلا درامتيكيا، كما كان نهائي كأس العالم بنفس الملعب، وبين المغرب والأردن مساء اليوم، كانت الكأس العربية تتأرجح على مدى 120 دقيقة وأكثر، وخطفت قلوب المتابعين.
وتُوجّ المُنتخب المغربي للمرة الثانية في تاريخه بكأس العرب، بعد فوز مثير على نظيره الأردني بثلاثة أهداف لاثنين، في مباراة بدأت فصول الإثارة فيها منذ الدقائق الأولى، وكانت مواجهة تدريبية مغربية خالصة بين جمال السلامي وطارق السكتيوي.
ولم ينتظر المغرب طويلا حتى افتتح التسجيل في الدقيقة الرابعة عبر صانع الألعاب أسامة طنان، بتسديدة مباشرة من منتصف الملعب، باغتت الحارس الأردني أبو ليلى ودخلت الشباك، وبدا مشهد النهائي منذ ذاك، أنطولوجيا.
استمر الشوط الأول بضغط مغربي واستماتة دفاعية من الأردن، وأضاع المغاربة عددا من الفرص لمضاعفة النتيجة، لكنّ تألق حارس الأردن حال دون ذلك، لينتهي بتقدّم مغربي.
مع بداية الشوط الثاني، لم يدم تقدم المغاربة طويلا، ومثلما حدث في الدقيقة الرابعة، سجّل القناص الأردني علي علوان هدف التعادل في الدقيقة 48، عبر رأسية محكمة، مستغلا خطأ دفاعي مغربي في التغطية.
فصول المباراة الدراماتيكية التي ستبقى خالدة لا شك في ذاكرة كأس العرب، بدأت تتكشف إثارتها حين احت
ضسب الحكم السويدي ضربة جزاء للنشامى في الدقيقة 68، حيث لمست الكرة يد أحد المدافعين المغاربة خلال هجمة أردنية، ولم يكن سوى علي علوان هدّاف البطولة، من ترجمها بنجاح في شباك الحارس مهدي بن عبيد، لتنقلب النتيجة إلى تفوق أردني.
كان واضحا أن المُنتخب المغربي دخل الشوط الثاني بشكل مرتخ مقارنة بالشوط الأول، وفضل اللعب إلى الوراء لبضع دقائق، وهي الدقائق التي عرف جمال السلامي كيفية استغلالها، فأظهر النشامى روحا قتالية ورغبة أكبر في الفوز بالمباراة البطولية.
وحتى اعتقد النشامى أن الفوز اقترب، سيخرج من العرين، الأسد المخضرم عبد الرزاق حمد لله ويسجل هدف التعادل للمغاربة في الدقيقة 87 من زمن، وأعاد المباراة إلى مربع الصفر، فكان الهدف بمثابة طوق نجاة للأسود ومدربهم طارق السكتيوي.
مع اكتمال 90 دقيقة، أضاف الحكم تسع دقائق كوقت بدل ضائع، عرف الجميع خلالها أن المباراة ذاهبة إلى الأشواط الإضافية، لكن كرة انفرادية خاطفة وصلت لعلي علوان كادت تقلب الموازين لولا براعة الحارس المغربي في إنقاذ المرمى.
وفي الشوط الإضافي الأول، سدّد الأردنيون من كرة صاروخية خاطفة على مرمى الأسود، ودخلت الشباك، لكن الهدف أُلغي بسبب لمسة اليد، وبقيت الأمور على حالها، حتى الدقيقة 100، حين عاد عبد الرزاق حمد لله ليزأر من جديد، بهدف ثالث حاسم، بدأ من ركلة حرة وانتهى في الشباك بعد ارتباك دفاعي أردني، استغلّه الحمدلله جيدا، ليسكن الكرة في شباك يزيد أبو ليلى.
التحولات الدراماتيكية في المباراة، دفعت بالمدرب جمال السلامي لإجراء تغييرات في تشكيلة النشامى، بيد أن مُواطنه في المنتخب الآخر، دفع اللاعبين إلى الاستمرار في الضغط وعدم التراجع، فيما العياء بدا واضحا أنّه نال من مجهودات اللاعبين.
وانتهت فصول المباراة على مدار 140 دقيقة في المجموع، بعد صافرة الحكم، بتتويج المغرب بالبطولة العربية للمرة الثانية في تاريخه، والأولى له بعد اعتمادها من قبل الاتحاد الدولي الفيفا.
جدير بالذكر أن بطل النسخة السابقة التي لُعبت بقطر أيضا كان هو منتخب الجزائر سنة 2021، وبالتالي لم تخرج البطولة من منطقة المغرب الكبير، فيما أبانت المنتخبات العربية خاصة الآسيوية عن مستوى عالي ومتطور شكّل مفاجأة كبرى، بدءا من الأردن التي لعبت النهائي التاريخي أمام المغرب، وسوريا وفلسطين، والإمارات التي أقصت بطل النسخة السابقة.
وستُلعب النسخة القادمة من بطولة كأس العرب سنة 2029 بقطر أيضا، وباتت اليوم من أكثر البطولات العالمية مشاهدة ومتابعة وتنافسية بين المنتخبات الناطقة باللغة الواحدة، ويتضح تطوّر الكرة العربية نسخة بعد أخرى، كما أنّها تُعدّ جسرا تواصليا إنسانيا ورياضيا مُهمّا بين شعوب العرب من المغرب إلى المشرق.