يشير تقرير اليونسكو الرئيسي المعني بالاتجاهات العالمية على صعيد حرية التعبير وتطوير وسائل الإعلام إلى تراجع تاريخي بنسبة 10% في حرية التعبير على مستوى العالم بين عامي 2012 و2024. ويعزو التقرير هذا الاتجاه إلى الارتفاع المقلق في الرقابة الذاتية بين الصحفيين، فضلاً عن الاعتداءات التي يتعرضون لها سواء في الواقع أو عبر الإنترنت.
ويقول المدير العام لليونسكو، خالد العناني: “حرية التعبير والانتفاع بالمعلومات ليست خياراً مطروحاً، بل هي شرط أصيل لإرساء سلام دائم. ويتعيّن علينا أمام هذا التراجع التاريخي أن نتكاتف للدفاع بلا هوادة عن حق كل إنسان بالتفكير والكتابة ونقل المعلومات. وستواصل اليونسكو الاضطلاع بدورها القيادي في طليعة الجهود العالمية لتعزيز التعددية وضمان ألا يُكتفى بصون التنوع فحسب، بل أن يُرسّخ على نحو فعّال” .
ويكشف تقرير الاتجاهات العامة لحرية الاعلام للفترة الممتدة من 2022–2025 الصادر عن اليونسكو عن تراجع عالمي في أوضاع حرية التعبير بنسبة 10% منذ عام 2012، وهو مستوى لم يشهده العالم منذ عقود. ويدقّ التقرير أيضاً ناقوس الخطر إزاء التصاعد الملحوظ للرقابة الذاتية بين الصحفيين، إذ زادت بنسبة 63%، أي بمعدل يقارب 5% سنوياً.
تصاعد الاعتداءات ضد الصحفيين
شهدت الفترة المشمولة بالتقرير (2022-2025) مقتل 186 صحفياً في أثناء تغطيتهم للحروب ومناطق النزاع، ما يمثل زيادة قدرها 67% مقارنة بالفترة المشمولة بالتقرير السابق (2018-2021). وشهد عام 2025 وحده مقتل 93 صحفياً، من بينهم 60 قُتلوا في مناطق النزاع.
رغم الالتزامات الدولية بإنهاء الإفلات من العقاب على قتل الصحفيين، تظل المساءلة أمراً نادراً. ورغم التقدم الطفيف المحرز مع انخفاض معدلات الإفلات من العقاب من 95% في 2012 إلى 85% في 2024، لا يزال معظم الجناة يفلتون من العقاب.
يواجه الصحفيون اليوم سلسلة واسعة ومتنامية من الاعتداءات الجسدية والرقمية والقانونية، بالإضافة إلى تهديدات تجبرهم على الفرار من منازلهم. حيث أُرغم أكثر من 900 صحفي في منطقة أمريكا اللاتينية والكاريبي على مغادرة بلدانهم منذ عام 2018. وتستفحل المخاطر المحدقة اليوم بالإعلاميين المعنيين بقضايا البيئة، إذ سجلت اليونسكو 749 اعتداءً على صحفيين يغطون القضايا البيئية بين عامي 2009 و2023، مع زيادة حادة في السنوات الأخيرة.
تصاعدت وتيرة المضايقات التي يتعرض لها الصحفيون في العالم، خاصة النساء، عبر الإنترنت. ويبيّن بحث جديد أجراه المركز الدولي للصحفيين بالتعاون مع كل من هيئة الأمم المتحدة للمرأة واليونسكو أن 75% من الصحفيات والعاملات في مجال الإعلام تعرضن للعنف عبر الإنترنت خلال تأديتهنَّ عملهنّ في عام 2025، مقارنة بنسبة تصل إلى 73 % في عام 2020.
اتجاهات إيجابية
على الرغم من خطورة التراجع العالمي في حرية التعبير، فقد أحرز تقدم ملحوظ، إذ تمكن 1,5 مليار نسمة بين عامي 2020 و2025 من الوصول إلى منصات التواصل الاجتماعي ومنصات التراسل، ما وسع فرص المشاركة المدنية على مستوى العالم.
وقد اكتسبت الصحافة الاستقصائية التعاونية زخماً في أثناء هذه الفترة، مما أدى إلى زيادة التحقيقات الهامة العابرة للحدود. كما أنَّ وحدات التحقق من الوقائع آخذة في الازدياد في العديد من المؤسسات الإعلامية.
وهناك ارتفاع في أعداد القوانين التي تعترف بوسائل الإعلام الأهلية، مما يساعد على صون مصادر حيوية للمعلومات المحلية الموثوق بها.
الحلول
يقدِّم التقرير صورة تبعث على القلق، ولكنه يطرح أيضاً حلولاً عملية يمكن أن تنفذها الدول الأعضاء للمساعدة على دفع هذا المد.
1- حثُّ الدول الأعضاء على حماية الصحافة والاستثمار فيها من أجل تعزيز المجتمعات المسالمة، ويجب اعتبار الدفاع عن الصحافة الحرة والمستقلة أولوية.
2- الشفافية في الفضاء الرقمي: تدعو اليونسكو في ظل بيئة معولمة وسيبرانية للمعلومات إلى التعاون بين جميع الأطراف الفاعلة بغية ضمان الوصول بشفافية إلى المعلومات، وتعزيز المساءلة وتمكين المستخدمين من اتخاذ قرارات مستنيرة. وقد نشرت اليونسكو في عام 2023، المباديء التوجيهية العامة للمنصات الاعلامية ، التي شاركت في إعدادها أطراف من 130 بلداً. وقد ساعدت من حينها الدول الأعضاء على دعم هيئاتها التنظيمية المستقلة لكي تضع هذه المبادئ موضع التنفيذ في جميع مناطق العالم.
3- الدراية الإعلامية والمعلوماتية: إنَّ تعليم المواطنين كيفية مقاربة المعلومات بطريقة نقدية وكيفية تصفُّح منصات التواصل الاجتماعي بطريقة آمنة أمر أساسي لبناء ثقة أكبر في منظومة المعلومات الحالية. وقد درَّبت اليونسكو أكثر من 10500 صانع محتوى من أكثر من 150 بلداً على بناء ثقة الجمهور وصقل رأيه بطريقة أخلاقية، وعلى إنتاج محتوى جذاب بغية تعزيز الدراية الإعلامية والمعلوماتية.
