سامي كليب
حقق بنيامين نتنياهو انجازات عسكرية ضخمة في خلال العامين الماضيين، لم يكن هو نفسه يحلم بها حتى ولو أن التخطيط لها لم يكن وليد ساعته.واستطاع المفاخرة بأن القوة وحدها هي التي حققت له كل ذلك.وهو بالتالي حين يعود الى المفاوضات لأسباب عديدة ، فهو يريد استكمال انجازاته العسكرية حول طاولة المفاوضات وليس تقديم أي تنازل آخر.وهذا بالضبط ما يُغرق خصومَه في إحراج كبير، ويُضطرهم لتقديم التناول تلو التنازل في مفاوضات الهزيمة الكبرى، ولا يتردد بعضهم في تصوير الهزيمة انتصارٌا .
ولأن نتنياهو يتصف بغرور المنتصر ويتصرف على اساسه ، فهو لن يحترم أي إتفاق ﻻ مع لبنان وﻻ غزة وﻻ سورية وغيرها، وسيعود ﻻستخدام الوسيلة الوحيدة التي يعتقد أنها اﻻنجح واﻻنجع، ﻻستكمال ترويض خصومه، ذلك أن هدفه الوحيد من هذه المفاوضات هو إزالة كل ما يعيق بناء إسرائيل الكبرى والتي يعتقد هو ومتطرفو إسرائيل بأن الله كلفهم بها وأنه معهم في طريق إنجازها.
هذا اﻻعتقاد الاسطوري التوراتي المستند إلى قوة نارية وتكنولوجية هائلة،سيدفع نتنياهو ﻻستكمال” المهمة” واستئناف الضربات او الحروب حين يعتقد ذلك مفيدًا ﻻسرائيل وله شخصيٍا ولن يأبه لأي ضغوط، وهو يدرك إدراك اليقين أن الوﻻيات المتحدة اﻻميركية لن تقف في وجهه حتى ولو أنها تمارس بعض الضغوط الشكلية عليه، فحين اشتد الخناق القضائي في الداخل حول رقبته تدخل الرئيس ترامب شخصيا لطلب العفو عنه، وحين انعقدت محكمة العدل الدولي وأدانته، تصدر ترامب نفسه المشهد في ملاحقة قضاتها وتضييق الحياة عليهم.
من هذا المنطلق، يصبح من السذاجة العربية الكبرى والمعهودة اﻻعتقاد، بأن نتنياهو انخرط اﻻن، وبضغوط أميركية وداخلية، في مفاوضات فعلية مع لبنان وغزة وسورية وغيرها، وانه سوف يمضي قدما في المفاوضات ويتلزم بنتائجها.
هذه القناعات الساذجة عند مفاوضي نتنياهو من لبنان وفلسطين وسوريا، تشبه الى حد بعيد القناعات التي أوصلت الفلسطينيين إلى اتفاقات أوسلو والتي فتحت الأبواب نحو تنازﻻت فلسطينية كبرى، ورفعت الإحراج عن دول المنطقة والعالم في فتح أبواب التفاوض واﻻتفاقات مع الحكومات اﻻسرائيلية وخصوصا التي يقودها منذ سنوات نتنياهو نفسه.
لكن هل لدى هذه الاطراف خيارات أخرى غير اﻻنصياع المُذل؟ على الأرجح ليس في المدى المنظور، ليس لأن الأطراف المقاتلة انزلقت الى حرب لم تحسب نتائجها، بل لأن كثيرا من أطراف المنطقة ليست منزعجة مطلقا من تدمير حماس وحزب الله والجهاد والنظام السوري السابق، ولن تنزعج لو اكمل نتنياهو حربه ضد الحوثيين وإيران، على أساس أن كل هؤﻻء كانوا خصومًا وجاء من يقضي عليهم.
يبقى القول إن الهزيمة ليست قدرا محتوما امام نتنياهو، فالبطش الذي مارسته الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ ٧٧ عامًا لم يدفع أهل الأرض إلى مغادرتها والتخلي عنها، وكلما قضت إسرائيل على مجموعات وجماعات وتنظيمات مسلحة، تجد نفسها بعد حين أمام مجموعات أخرى أكثر قناعة بالعودة إلى القتال، ليس لأنها تهوى القتال والموت في سبيل الأرض، بل لأن عدوها لم يوح يومًأ، وﻻ في أي مفاوضات، بأنه يقبل بقيام دولة فلسطينية وبأنه يرتضي لإسرائيل أن تعيش داخل حدودها كأي دولة أخرى في العالم.
ولعل سذاجة الإعتقاد بأن الرأي العام العالمي ما عاد يحتمل بطش إسرائيل هي التي ستدفع الى خلاصات خاطئة،ذلك أن هذا الرأي العام يتغير بسرعة، وإسرائيل ستخترع ذرائع كثيرة لتعديل الصورة في المستقبل، ثم يجب التمييز بين الغضب على نتنياهو ومناهضة إسرائيل نفسها.
من هذا المنطلق ليست الهزيمة العسكرية للأطراف المقاتلة إسرائيل والتي يدور معظمها في الفلك الإيراني هي الكارثة، بل الكارثة الأكبر ستكون إن لم يحسن العرب، وتحديدا النظام العربي الرسمي الحالي، ومن خلفه النخب والمثقفون والنقابات والأحزاب العربية، انتهاز هذه اللحظة الدولية من يقظة بعض الضمير العالمي، للدفع الحقيقي، وليس الكلامي والخطابي، نحو مستوى أعلى من الضغوط العربية واﻻسلامية والأوروبية لتحويل المفاوضات طريقا لإعادة إطلاق مسيرة سلام واسعة في المنطقة تدفع إسرائيل للإنسحاب من الأراضي المحتلة في لبنان وسورية، وترضخ لفكرة قيام دولة فلسطينية حقيقية. غير ذلك هو مجرد تأجيل لحروب وويلات أخرى ستندلع عاجلأ أو آجلاً، وبصورة أكثر عنفا.
