وصل البابا ليو الرابع عشر إلى بيروت امس الاحد في زيارة تاريخية تمتد 48 ساعة، في لحظة حرجة يمر فيها لبنان بأزمة سياسية وأمنية حادة، مع مؤشرات تصاعد التوترات الإقليمية وشبح حرب يلوح في الأفق. الزيارة لم تكن مجرد حدث ديني، بل محطة سياسية دقيقة تهدف إلى تعزيز التوازن الوطني ودعم التعددية اللبنانية.
أهمية اللقاءات: من الرئاسة إلى القيادات الروحية والسياسية
خلال زيارته، عقد البابا سلسلة لقاءات محورية:
_لقاء مع الرئيس اللبناني جوزاف عون ، تناول الوضع العام في البلاد حيث أكد البابا على رسالة لبنان كـ”بلد الرسالة والتعايش”، داعياً إلى التمسك بالوحدة الوطنية.
_لقاءات مع كبار رجال الدين المسيحيين والتي ركزت على أهمية الحفاظ على التعددية المسيحية في لبنان ودعم حضور الكنيسة في المجتمع.
_لقاءات مع رؤساء الكتل النيابية والقيادات السياسية والتي هدفت إلى فتح حوار وطني، وتحفيز القوى السياسية على التعاون لتجنب الانزلاق نحو الفوضى.
_لقاء جانبي مع النائب ستريدا جعجع وذلك بعد استبعاد رئيس حزب القوات سمير جعجع عن الاستقبال الرسمي حيث حرص الفاتيكان على إجراء لقاء تعويضي يؤكد على شمولية الرسالة المسيحية.
تكتسب هذه اللقاءات أهمية كبيرة، إذ تعكس محاولة الفاتيكان إعادة وصل القنوات الرسمية وغير الرسمية بين الأطراف اللبنانية، ودفع القوى المسيحية إلى التفاهم قبل الانزلاق نحو أزمة أوسع.
استبعاد جعجع: مؤشر على الانقسام المسيحي
أكدت النائبة ستريدا جعجع في تصريح لوسائل الاعلام أنّ رئيس حزب «القوّات اللبنانية» سمير جعجع لم يُدعَ للمشاركة في مراسم استقبال البابا في القصر الجمهوري، قائلة: «استغربنا». وأضافت: «زيارة البابا لاوون تاريخية، وهو أتى ليؤكّد أن لبنان رسالة، ويقول للمسيحيين أن يبقوا متجذّرين في أرضهم».
مصادر سياسية واسعة الاطلاع تشير إلى أن الاستبعاد يعكس توتراً مكتوماً بين معراب وبعض دوائر السلطة، خصوصاً بعد المواقف الأخيرة لجعجع التي حمّل فيها أطرافاً محددة مسؤولية الشلل السياسي والانهيار الأمني.

رسالة حزب الله إلى البابا: ترحيب وتشديد على حماية لبنان
عشية الزيارة، وجّه حزب الله رسالة رسمية إلى البابا ليو الرابع عشر، عبّر فيها عن ترحيبه بوصوله لبنان، مشدّدا على تمسّكه بـ“العيش الواحد المشترك، والديمقراطية التوافقية، والأمن والاستقرار الداخلي، واحترام سيادة لبنان الوطنية”، داعياً البابا إلى “رفض الظلم والعدوان” الذي يتعرض له لبنان، وإلى أن يكون صوته إلى جانب العدالة والسلام. وجاء في الرسالة أيضاً تأكيد على “حماية لبنان من الاحتلال أو أي اعتداء”، في إشارة واضحة إلى الخطر الإسرائيلي القائم.
هل يمكن للزيارة إبعاد شبح الحرب؟
السؤال الذي يتداوله اللبنانيون اليوم :
هل ستنجح زيارة البابا في ابعاد لبنان عن حرب اسرائيلية جديدة؟
رسائل حزب الله إلى الفاتيكان أوضحت أنه لا يسعى إلى حرب شاملة الآن، وأن أي مواجهة محتملة ستكون رد فعل على أي عدوان إسرائيلي، مع التمسك بقواعد الاشتباك.
الجانب الإسرائيلي أبلغ وسائل الإعلام المحلية أنه عزّز قواته على الحدود الشمالية، وأجرى تدريبات تحاكي مواجهة جنوب لبنان، مع مناقشات سياسية وأمنية حول تبعات أي تصعيد. تقارير مثل “هآرتس” و”يديعوت أحرونوت” تحدثت عن سيناريوهات حرب قصيرة أو متوسطة في حال فشل تهدئة الأوضاع.
باختصار، زيارة البابا تخلق ضغطاً معنوياً ودبلوماسياً لتجميد التوتر، لكنها لا تمتلك القدرة على منع الحرب إذا قررت إسرائيل التحرك أو إذا حصل تصعيد غير متوقع على الأرض.
زيارة البابا ليو الرابع عشر إلى بيروت ليست مجرد حدث ديني، بل محطة مفصلية تعكس هشاشة المشهد اللبناني وتعقيداته السياسية والمسيحية. الاستبعاد البروتوكولي لجعجع كشف عمق الانقسامات المسيحية، في حين رسالة حزب الله الرسمية أكدت على حرصه على حماية لبنان والحفاظ على التوازن الداخلي. اللقاءات التي عقدها البابا مع الرؤساء والقيادات الدينية والسياسية حملت رسائل مباشرة للتهدئة والتواصل، لكنها في الوقت نفسه أبرزت أن لبنان لا يزال محاطاً بشبح التوتر الإقليمي والخطر الإسرائيلي.
في المحصلة، الزيارة أعادت للبنان بعض الأمل، لكنها وضعت أمام الجميع صورة واضحة: السلام يتطلب إرادة وطنية حقيقية، ورسالة البابا هي دعوة للبقاء متجذرين في الأرض، قبل أن تنقلب الأحداث من احتمالات التهدئة إلى أزمات أكبر.
