في تطور جديد يعكس إيجابية العلاقات بين القاهرة وأنقرة بعد عقد من التوتر، تعقد مجموعة التخطيط المشتركة المصرية – التركية اجتماعها الأول، اليوم الأربعاء، في العاصمة التركية أنقرة، برئاسة وزيري الخارجية هاكان فيدان، وبدر عبد العاطي، لبحث ملفات التعاون الثنائي والقضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
وتكتسب زيارة وزير الخارجية المصري إلى أنقرة أهمية خاصة، كونها تأتي في مرحلة دقيقة تشهد فيها المنطقة العربية والإقليمية تحولات متسارعة، تجعل من التنسيق بين القاهرة وأنقرة ضرورة وليس مجرد خيار.

الزيارة تمثل استكمالاً لمسار إعادة بناء الثقة بين البلدين بعد عقد من التباعد، وتأتي تتويجاً لسلسلة لقاءات متبادلة بين القيادتين المصرية والتركية أسفرت عن تأسيس مجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى، الذي وضع إطاراً مؤسسياً لعلاقات جديدة قوامها المصالح المشتركة والاحترام المتبادل.
في هذا السياق، يُعقد الاجتماع الأول لـ مجموعة التخطيط المشتركة بين وزارتي الخارجية برئاسة الوزيرين بدر عبد العاطي وهاكان فيدان، وهي آلية تهدف إلى متابعة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه وتطوير آليات التعاون في ملفات السياسة والاقتصاد والاستثمار والطاقة.
لكن الأهمية الحقيقية لهذه الخطوة تتجاوز البعد الدبلوماسي إلى قراءة أعمق لموقع القاهرة وأنقرة في خريطة الإقليم. فكلتاهما تمتلكان ثقلًا سياسيًا وجغرافيًا واقتصاديًا مؤثرًا، وقد أثبتت التطورات الأخيرة في ملفات غزة وليبيا وسوريا أن غياب التنسيق بين العاصمتين يترك فراغًا تستفيد منه أطراف أخرى، لذلك فإن اللقاءات الحالية تعكس إدراكاً مشتركاً بأن الاستقرار الإقليمي لن يتحقق دون تعاون مصري–تركي فعّال.
الجانب الاقتصادي يشكل بدوره ركيزة أساسية في مسار التقارب. فقد شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعًا في حجم التبادل التجاري إلى نحو 8.8 مليار دولار عام 2024، فيما تتجه الخطط المشتركة إلى رفعه إلى 15 مليار دولار خلال خمس سنوات.
وزيارة الوزير عبد العاطي إلى اتحاد الغرف والبورصات التركية (TOBB) اليوم في أنقرة جاءت لتؤكد هذا التوجه، من خلال طرح فرص استثمارية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، والدعوة إلى مشاركة تركية فاعلة في المنتدى الاقتصادي المصري–التركي المقرر عقده عام 2026.
ويلاحظ أن القاهرة وأنقرة تتعاملان اليوم بقدر أكبر من البراغماتية السياسية، فالقضايا الخلافية القديمة لم تُمحَ تمامًا، لكنها أصبحت تُدار بعقلانية، على قاعدة المصالح المتبادلة لا الاصطفافات الأيديولوجية.
كما أن الحوار المستمر حول الملفات الإقليمية الحساسة، من غزة إلى السودان وليبيا، يشير إلى رغبة متبادلة في البحث عن أرضية مشتركة تحفظ استقرار المنطقة وتحدّ من حدة الاستقطاب.
بهذا اللقاء، تبدو مصر وتركيا عازمتين على ترسيخ مسار الشراكة الإقليمية، في خطوة قد تُسهم في إعادة تشكيل خريطة التوازنات في شرق المتوسط والعالم العربي.
