اجرى المقابلة: سوزانا جورج وتوبي راجي
بعد زيارة تاريخية أولى إلى البيت الأبيض، أجرى الرئيس السوري أحمد الشرع يوم الاثنين مقابلة مع صحيفة واشنطن بوست.
وفي حوار استمر ساعة، تحدث الرجل الذي كان في السابق مقاتلاً، من خلال مترجم، عن أهمية إعادة بناء علاقة سوريا مع الولايات المتحدة. كما قدّم تقييماً صريحاً للمحادثات الجارية مع إسرائيل، والعنف الطائفي بعد الحرب، ورحلته غير المتوقعة من مقاتل متمرد في العراق وسوريا إلى أول رئيس سوري يلتقي رئيساً أمريكياً في واشنطن.
العقوبات والعلاقات مع الولايات المتحدة
سؤال: لقد التقيت اليوم بالرئيس دونالد ترامب وأعضاء في الكونغرس. هل يمكنك أن تخبرنا عن أهداف زيارتك، وما إذا كنت قد حققت هذه الأهداف؟
الشرع: الهدف الأهم هو بدء بناء علاقة بين سوريا والولايات المتحدة، لأن العلاقة خلال المئة عام الماضية لم تكن جيدة جداً.
بحثنا عن المصالح المشتركة بين الولايات المتحدة وسوريا، ووجدنا أن هناك الكثير من المصالح التي يمكننا البناء عليها، مثل المصالح الأمنية والاقتصادية. فاستقرار سوريا سيؤثر على المنطقة بأسرها، وكذلك عدم استقرارها.
الاستقرار مرتبط بالاقتصاد، والاقتصاد أو التنمية الاقتصادية مرتبط برفع العقوبات. وقد استمرت هذه المناقشات منذ أشهر، وأعتقد أننا حققنا نتائج جيدة، لكننا ما زلنا ننتظر القرار النهائي.
سؤال: زميلنا أوستن تايس اختفى في سوريا. هل يمكنك أن تخبرنا بما تعرفه عن البحث عنه ومكان وجوده؟ وهل كنت تتواصل مع البيت الأبيض أو جهات أخرى في واشنطن بشأنه؟
الشرع: خلال الحرب التي شنّها النظام السابق ضد الشعب السوري، لدينا حوالي 250 ألف شخص مفقود — من بينهم سوريون وغير سوريين، مثل أوستن تايس.
تمكّنا من إطلاق سراح مواطن أمريكي من السجون عندما وصلنا إلى دمشق، وسلّمناه فوراً إلى السلطات الأمريكية.
لقد أنشأنا لجنة للمفقودين، مع تركيز خاص على الأشخاص الذين يحملون الجنسية الأمريكية وفُقدوا في سوريا، ونحن ننسّق مع السلطات الأمريكية بهذا الشأن. لقد التقيت ببعض عائلات المفقودين، من بينهم والدة أوستن تايس. إنها امرأة عظيمة. وقد جعلتُها تلتقي بوالدتي أيضًا، لأن والدتي مرّت بتجربة مشابهة. فقد اختفيتُ لمدة سبع سنوات، وكان الجميع يعتقد أنني قُتلت، باستثناء والدتي. كانت لديها قناعة راسخة بأنني سأعود يومًا ما.
ماضي شرّاع كمقاتل في سوريا والعراق
سؤال:ماذا تقول للأمريكي العادي الذي يتحدث إلى عضو في الكونغرس ويتناقش حول العقوبات، ويقول: “لماذا نرفع العقوبات عن رجل كان مقاتلًا ضد الولايات المتحدة؟”
الجواب:أولًا، القتال ليس أمرًا مخزيًا إذا كان من أجل أهداف نبيلة، خاصةً إذا كنت تدافع عن أرضك وشعبك الذي يعاني من الظلم. أعتقد أن هذا أمر جيد ويستحق التقدير. لقد خضتُ حروبًا كثيرة، لكنني لم أتسبب يومًا في مقتل شخص بريء.
وعندما يشارك أحد في القتال، يجب أن يمتلك أساسًا أخلاقيًا قويًا. فالمنطقة تأثرت بسياسات الغرب، وبالسياسات الأمريكية تحديدًا. واليوم هناك كثير من الأمريكيين الذين يتفقون معنا على أن بعض تلك السياسات كانت خطأ، وتسببت في حروب كثيرة بلا جدوى.
العنف الطائفي والأقليات في سوريا
سؤال: من بين من يعارضون رفع العقوبات من يرى أن العنف لا يزال مستمرًا في بلادكم. في ظل النظام السابق [نظام بشار الأسد]، كان هناك سعي لزرع الفتنة بين المجموعات المختلفة، لكن بعض تلك المجموعات ما زالت تقاتل. كيف ترد على من يقول إنك لم تفعل ما يكفي للحد من هذا العنف، وما خطتك لضمان عدم استمرار الهجمات على الأقليات؟
الجواب: لقد خرجت سوريا من حرب شرسة، وكانت تعيش تحت حكم ديكتاتوري ونظام قاسٍ سيطر على البلاد لمدة ستين عامًا. نحن الآن في مرحلة انتقالية، وفي المراحل الانتقالية توجد ظروف وقوانين تختلف عن الدول المستقرة.
خذ الحرب الأهلية الأمريكية كمثال — بعد انتهائها، هل استقرت الأمور بعد عام واحد؟ أم احتاجت إلى سنوات طويلة؟ نحن الآن في مرحلة إعادة بناء الدولة، واستعادة القانون. لكنني لا أنكر أن هناك مشكلات في سوريا، فالقصة لم تنته بعد.
هناك مصالح فردية لبعض الجماعات التي تسعى للاستقلال أو الحكم الذاتي. بعض تلك الأطراف تستخدم انتماءها الديني أو الطائفي كغطاء لتحقيق مصالحها، وتتحدث عن “تهديد وجودي” لطائفتها أو عقيدتها.
في سوريا، نحن نعيش في حالة تعايش بين مجموعات وأديان مختلفة منذ 1400 عام، وما زلنا نحتفظ بهذا التنوع.
الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)
سؤال :ما زال تنظيم الدولة الإسلامية موجودًا في شرق البلاد. وتقول الولايات المتحدة إن سبب وجودها هناك هو محاربة التنظيم. هل يمكنك أن تشرح لنا وضع الاتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية والمجموعات الكردية، وهل ترى أن الولايات المتحدة وتلك القوات ما زالت ضرورية؟
الجواب: لقد حاربنا تنظيم الدولة لمدة عشر سنوات، دون أي تنسيق مع قوة غربية أو دولة أخرى.
سوريا اليوم قادرة على تحمل هذه المسؤولية. إن إبقاء البلاد مقسمة أو السماح بوجود قوة عسكرية خارج سيطرة الحكومة هو أفضل بيئة لنمو داعش.
أعتقد أن الحل الأمثل هو أن تشرف القوات الأمريكية الموجودة في سوريا على دمج قوات سوريا الديمقراطية ضمن أجهزة الأمن الحكومية. وستكون مهمة حماية الأراضي السورية مسؤولية الدولة.
إسرائيل وسوريا
سؤال:تعرّضت سوريا لهجمات متكررة من الجيش الإسرائيلي، كما أن إسرائيل تحتل أراضٍ سورية وتبدو وكأنها تسعى إلى تأجيج الطائفية، خاصة داخل الطائفة الدرزية. كيف تنوون حماية السيادة السورية من القوى الداخلية والخارجية؟
الجواب:خاضت سوريا حربًا مع إسرائيل قبل خمسين عامًا، وفي عام 1974 وُقّع اتفاق لفصل القوات.
استمر الاتفاق خمسين عامًا، لكن عندما سقط النظام [نظام الأسد]، ألغت إسرائيل الاتفاق. وسّعت وجودها في سوريا، وطردت بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام، واحتلت أراضي جديدة.
لقد نفذت أكثر من ألف غارة جوية على سوريا منذ 8 ديسمبر، شملت قصف القصر الرئاسي ووزارة الدفاع. ولكن لأننا نريد إعادة بناء سوريا، لم نردّ على هذه الاعتداءات.
التقدّم الإسرائيلي في سوريا لا ينبع من “مخاوف أمنية”، بل من طموحات توسعية.
لطالما زعمت إسرائيل أنها تخشى من الميليشيات الإيرانية و”حزب الله” اللبناني. لكننا نحن من طرد تلك القوات من سوريا.
نحن منخرطون في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، وقد قطعنا شوطًا جيدًا نحو اتفاق. لكن للوصول إلى اتفاق نهائي، يجب أن تنسحب إسرائيل إلى حدود ما قبل 8 ديسمبر.
الولايات المتحدة تشارك في هذه المفاوضات، والعديد من الأطراف الدولية تدعم وجهة نظرنا. وقد وجدنا أن السيد ترامب يدعم موقفنا أيضًا، وسيضغط بأسرع ما يمكن للتوصل إلى حل.
سؤال:هل ستوافق سوريا على نزع السلاح في المنطقة الواقعة جنوب دمشق؟
الجواب:الحديث عن نزع السلاح في منطقة بأكملها أمر صعب، لأنه إذا حدثت فوضى، فمن سيحميها؟ وإذا استُخدمت هذه المنطقة كمنطلق لهجمات ضد إسرائيل، فمن سيكون المسؤول؟
وفي نهاية المطاف، هذه أرض سورية، ويجب أن تكون لسوريا حرية التعامل مع أراضيها.
لقد احتلت إسرائيل الجولان لحماية نفسها، والآن تفرض شروطًا في جنوب سوريا لحماية الجولان. فبعد بضع سنوات ربما تحتل وسط سوريا لحماية الجنوب، وهكذا حتى تصل إلى ميونيخ!
العلاقة مع روسيا
سؤال:الزعيم السوري السابق موجود الآن في موسكو ويحظى بحماية من حكومة فلاديمير بوتين. هل أثرت هذه القضية مع الروس؟ وهل طلبتم تسليمه لمحاكمته على الجرائم التي ارتكبها؟
الجواب:لقد خضنا حربًا ضد روسيا لمدة عشر سنوات، وكانت حربًا قاسية وصعبة. لقد أعلنوا عن مقتلي عدة مرات.
نحن بحاجة إلى روسيا لأنها عضو دائم في مجلس الأمن، ونحتاج إلى صوتها إلى جانبنا في بعض القضايا. لدينا مصالح استراتيجية معها، ولا نريد دفعها إلى اتخاذ مواقف أخرى ضدنا.
قضية بشار الأسد تشكل إزعاجًا لروسيا، وعلاقتنا معهم ما زالت في بدايتها. وسنحافظ على حقنا كسوريين في المطالبة بجلب الأسد إلى العدالة.
