- حوار خاص- أيمن مرابط
بعد عامين من عملية “طوفان الأقصى”، وما تلاها من حرب إسرائيلية دامية ضد قطاع غزة، وما حملته من تطورّات مسّت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وكل العالم، أدّت ظاهريا لاختلال في التوازنات الإقليمية لصالح طرف على الآخر، لا يزال سؤال مستقبل المنطقة مجهول الإجابة، ويزداد غموضا أكثر فأكثر مع استمرار ضجيج آلة الحرب مقابل همس الدبلوماسية والتفاوض.
في حوار خاص استضافت الوكالة العربية الإفريقية للأنباء، الأكاديمية وأستاذة العلاقات الدولية بالجامعية اللبنانية الدكتورة ليلى نقولا، حيث تناولنا معها تفاصيل المشهد الإقليمي والدولي بعد مسلسل الحرب الطويلة في غزة، من زوايا ميكروسكوبية وماكروسكوبية، بدأت بخبايا القانون الدولي لتمر إلى تعقيدات الجغرافيا السياسية.
1. ماذا تعني نهاية الحرب في غزة اليوم بعد عامين من الدمار؟ وماذا يعني استمرارها في المشهد الدولي؟ وهل أخطأت المقاومة الفلسطينية قانونيا في أنها هي البادئ للحرب؟
لا أظن أن الحرب انتهت في غزة، قد يكون سياق العنف وحجمه انخفض، لكن الإبادة مستمرة بدليل أنه منذ إعلان توقف الحرب قتلت إسرائيل عشرات الفلسطينيين. واقعياً، ما حصل هو محاولة لتلميع صورة الرئيس الأميركي دونالد ترامب باعتباره صانع سلام من جهة، ومن جهة ثانية تهدئة الادانات العالمية ضد إسرائيل.
من وجهة نظر القانون الدولي، فإن حق الشعوب في تقرير المصير مكفول في المواثيق الدولية وهو من المبادئ الآمرة في القانون الدولي، وقد أكدت الجمعية العامة «مشروعية كفاح الشعوب ضد الاحتلال الأجنبي… بجميع الوسائل، بما فيها الكفاح المسلّح». وعليه، لا تعتبر المقاومة هي البادئة بالحرب، طالما الاحتلال موجود ومن حق الشعب الفلسطيني مقاومته بكافة الوسائل.
يبقى هناك أمر غير مباح في القانون الدولي، حتى بالرغم من حق الشعب الفلسطيني بالمقاومة، وهو عدم جواز استهداف المدنيين وأخذهم رهائن، وهنا نؤكد أن «المشروعية العامة للمقاومة ضد الاحتلال» تبقي أساسية، لكن حظراً على استخدام بعض الوسائل يبقى قائماً أيضاً.
2. هل يُمكن أن تسبب حرب غزة في حال استمرارها اختلالا في التوازن الدولي، خاصة وأن الطرف الأقوى “إسرائيل” وسّعت من دائرة هذه الحرب من غزة إلى إيران واليمن؟، وهل من الممكن أن تنتقل إلى دول أخرى حول العالم بدأت حكوماتها تُعادي إسرائيل؟
بشكل عام، تستنزف الحروب قدرات الدول وخاصة حرب غزة التي امتدت الى أكثر من سنتين ودفعت الولايات المتحدة الى التورط في حروب في أوروبا والشرق الأوسط، ما يعني أنها انشغلت عن المواجهة الأكبر وهي احتواء الصين.
احتمال التوسّع وانتقال الحرب الى جبهات أخرى يبقى قائماً، طالما هناك ضوء أخضر أميركي، اما بغياب الموافقة الأميركية فلا يمكن لإسرائيل أن تذهب بمفردها الى قتال متعدد الجبهات وحروب مفتوحة في المنطقة. علماً أن إسرائيل لم تستطع أن تحسم حرب غزة على مدى سنتين.
3. كيف تؤثر قرارات إسبانيا ضد إسرائيل مثل حظر بيع الأسلحة ومنع رسو السفن الأمريكية المحملة بشحنات الأسلحة في عمق العلاقة بين دول أوروبا والكيان، وهل إسبانيا حالة منفردة وعابرة، أم هناك توجه جدّي وفعّال في دول أوروبية أخرى ضد إسرائيل؟
قرارات منع تصدير الأسلحة أو المرافقة اللوجستية تُعدّ من أدوات الاعتماد القانوني والسياسي لدى الدول الأوروبية، وهي تعكس تهديداً ضمنياً بمساءلة أو بفرض تكاليف على الدولة المستقبِلة (إسرائيل) من حيث شرعية سياساتها العسكرية.
قانونياً، هذه الدول تستند إلى التزاماتها بموجب معاهدة منع الإبادة والقوانين التي تقيّد التصدير حين تُخشى انتهاكات القانون الإنساني الدولي، حيث إن الأمر ليس مجرد موقف سياسي، بل ارتباط قانوني داخلي أيضاً.
دبلوماسياً، هذا قد يؤدي إلى تجميد أو تقليص التعاون العسكري/الاستخباراتي، وقد تؤدي إلى تراجع ثقة إسرائيل بأوروبا كشريك أمني. هناك توجه جدّي في بعض الدول الأوروبية، لكن الأمر ليس موحّداً أو شاملاً، ويختلف حسب التوازنات السياسية الداخلية، العلاقات مع الولايات المتحدة، والتزامات الدفاع والتعاون مع اسرائيل.
4. هل يحق لإسبانيا قانونيا إغلاق مضيق جبل طارق في وجه السفن المحملة بالأسلحة والمتجهة لإسرائيل؟ وماذا يمنع دول مضيق جبل طارق (المغرب وإسبانيا) من هكذا إجراء بحري، يراه البعض أنه قد يمنع ويوقف إسرائيل عن حرب الإبادة في غزة؟
يُعتبر حقّ «المرور العابر» أمراً جوهرياً في اتفاقية قانون البحار والممارسات الدولية التي ترعى مُضائقَ المرور الدوليّة (خاصة تلك التي تربط بحيرات أو ملاحة دولية). الدول المعنيّة لا تستطيع منع العبور أيضاً إذا كانت السفن تحمل أسلحة إلى دولة لا تخضع لعقوبات دولية أو حظر شامل. وعليه، إن منعها يُعدّ خرقاً للقانون الدولي للملاحة أو التزامات الدولة الساحلية.
من الناحية القانونية، يخضع مضيق جبل طارق لنظام “المرور العابر” بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS) لعام 1982، مما يمنح سفن جميع الدول الحق في العبور الحر والسريع دون عوائق. هذا الحق ليس مجرد امتياز، بل هو ضمانة لاستمرار تدفق التجارة العالمية، حيث يعبر من خلال المضيق أكثر من 100 ألف سفينة تجارية سنوياً، تحمل نحو 20% من التجارة البحرية العالمية، بما في ذلك جزء كبير من إمدادات الطاقة العالمية.

ب) ما الذي يمنع المغرب وإسبانيا من ذلك؟
أولاً، الاعتبارات القانونية لا يمكن ببساطة «إغلاق المضيق» دون خرق للقوانين الدولية.
ثانياً، التزامات التحالفات الدولية، الاتفاقيات الثنائية، العلاقات مع الولايات المتحدة وإسرائيل، والتي قد تشكّل عقبة سياسية كبيرة.
ثالثاً، قد يُشكّل ذلك سابقة خطيرة للدول الساحلية الأخرى أو في مضائق أخرى، ويُثير أزمة في الملاحة الدولية، مما يدفع الدول إلى تجنّب هذه الخطوة إلا ضمن إطار قانوني دولي (مثل قرارات مجلس الأمن).
5. أي دور تلعبه الصين وروسيا اليوم بعد حرب غزة وما تبعها من تطورات في منطقة الشرق الأوسط، وكيف ترون حجم علاقاتهما مع إسرائيل بعد الحرب من جهة، ومع الدول العربية من جهة ثانية؟ وماذا استفادتا من الانخراط الأمريكي الكبير في حرب الشرق الأوسط الجديد؟
تسعى كل من الصين وروسيا إلى إعادة تشكيل النظام الدولي ودفعه نحو التعددية القطبية. من ناحية روسيا، هي تسعى للحفاظ على موطئ قدم في الشرق الأوسط من خلال سوريا، وتقدم الدعم في الملف الفلسطيني دبلوماسياً (مثلاً في مجلس الأمن أو عبر الأمم المتحدة).

الصين تستفيد من الانخراط الأميركي في الشرق الأوسط، وذلك لأن الاستراتيجية الخارجية الصينية ترتبط بشكل كبير بنظرتها للتهديدات على الصين وفي شرق آسيا. كلما تأخر الأميركيون في الذهاب لمواجهة مع الصين في محيطها، كلما كان ذلك أفضل للصين.
تحتفظ كل من روسيا والصين بعلاقات مع الجميع في الشرق الأوسط، ولا تريد أن من الدولتين الانخراط بمحاور متقاتلة لأن في ذلك مسّ بمصالحهم الاستراتيجية.
6. إلى أيّ مدى يستطيع الأفراد والمنظمات التأثير في السياسات الدولية؟ وماذا تعني مشاهد الاحتجاجات المليونية في المدن الأمريكية والأوروبية الكبرى لأجل وقف الحرب واتهام إسرائيل بشكل مباشر بجرائم الحرب؟
بعدما تعدد اللاعبون في العلاقات الدولية، لم تعد الدولة اللاعب الوحيد بالرغم من أنها ما زالت اللاعب الأساسي والأكثر تأثيراً.
يلعب الأفراد والمنظمات (المجتمع المدني، منظمات حقوق الإنسان، الحركات الجماهيرية) دوراً متزايد الأهمية في العلاقات الدولية عبر فضح الانتهاكات، حشد الرأي العام، الضغط على الحكومات، والمساءلة القانونية أو القضائية (مثل حملات لمقاضاة مسؤولين أو حظر تصدير أسلحة).
الاحتجاجات المليونية تشير إلى تحول في الرأي العام الغربي الذي كان يؤمن أن “إسرائيل ضحية” وإنها “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”. إن استمرار الحرب وانتشار صور الانتهاكات يُنظر إليها من قبل قطاعات كبيرة من الشارع العالمي كإبادة في غزة، هذا بدوره يضغط على الحكومات لاتخاذ مواقف بديلة أو تدابير ملموسة.
