أعلنت القوات الحكومية السورية يوم الأربعاء، 22 أكتوبر 2025، أنها تحاصر مخيمًا يضم جهاديين فرنسيين في شمال غرب البلاد، متهمة قائدهم عمر ديابي، المعروف بلقب «عمر أومسن»، برفض تسليم نفسه إلى السلطات بعد اختطافه لطفلة صغيرة.
ويُقدَّر عدد الجهاديين في المخيم ببضع عشرات، وهم متحصنون مع عائلاتهم في منطقة حرّيم القريبة من الحدود التركية.
ويُعدّ ديابي، وهو فرنسي من أصل سنغالي، شخصية مثيرة للجدل في الأوساط الجهادية، إذ كان قد بدأ مسيرته كجانح قبل أن يتحول إلى واعظ سلفي متشدد، ويُعتبر اليوم أحد أبرز الشخصيات الجهادية الفرنسية في سوريا. وهو مطلوب للعدالة الفرنسية منذ عدة سنوات بموجب مذكرة توقيف دولية.
وقال اللواء غسان بكير، قائد قوات الأمن الداخلي في محافظة إدلب، إن مجموعة ديابي «اختطفت فتاة صغيرة من يد والدتها»، مشdرًا إلى أن السلطات طلبت منه تسليم نفسه لكنه رفض، وتحصن مع عناصره في المخيم، متهمًا إياه بإطلاق النار على القوات الحكومية و«استخدام المدنيين دروعًا بشرية».
وفي اتصال مع وكالة الصحافة الفرنسية (AFP)، قال نجل أومسن، الملقب جبريل المهاجر، إن «الاشتباكات بدأت بعد منتصف الليل وما تزال مستمرة»، مضيفًا أن «المخيم يضم نساءً وأطفالًا».واتهم المهاجر الحكومة الفرنسية بأنها طلبت من دمشق «تسليم اثنين من الفرنسيين في المجموعة».
من جانبه، ذكر أحد سكان منطقة حرّيم أن القوات الحكومية أرسلت تعزيزات إلى المنطقة منذ يوم الثلاثاء، وأن دوي الانفجارات تواصل طوال الليل، مع وصول آليات عسكرية مزودة برشاشات ثقيلة تباعًا.
خلفية حول الجماعة الفرنسية المسلحة
يطلق الجهاديون الفرنسيون في سوريا على أنفسهم اسم «فرقة الغرباء» (Firqat Al-Ghouraba)، أي «كتيبة الأجانب».
وهؤلاء قدموا إلى سوريا في بدايات الحرب الأهلية التي اندلعت عام 2011 عقب قمع نظام بشار الأسد للاحتجاجات الشعبية.
وكغيرهم من المقاتلين الأجانب، انضم هؤلاء إلى فصائل متعددة مرتبطة بتنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، قبل أن يتشكل كيان مستقل يضم مقاتلين فرنسيين من أصول مغاربية وغربية.
منذ ديسمبر 2024، فقدت الجماعة نفوذها في شمال غرب سوريا بعد أن سيطر تحالف إسلامي بقيادة أحمد الشرع على المنطقة، في محاولة منه لـ«تبييض» تاريخه الجهادي وفرض سلطة سياسية أكثر «براغماتية».
ويُذكر أن أحمد الشرع هو الاسم الحقيقي لـ أبي محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام (HTS)، التي كانت تُعرف سابقًا باسم جبهة النصرة، الفرع السوري لتنظيم القاعدة.
تصنيف دولي وسوابق قضائية
صنّفت الولايات المتحدة عمر ديابي في سبتمبر 2016 على أنه «إرهابي دولي»، بسبب نشاطه الدعوي التحريضي في أوساط الجاليات المسلمة في فرنسا، حيث روّج لأيديولوجيا «الهجرة إلى أرض الجهاد».
وقدرت مصادر أمنية فرنسية عدد أفراد مجموعته بحوالي خمسين مقاتلًا فقط، لكن تأثيرها الإعلامي تجاوز حجمها العددي بفضل نشاطها على الإنترنت، وارتباطها بشبكات تجنيد في أوروبا.
وفي ديسمبر 2024، صرّح المدعي العام الفرنسي لمكافحة الإرهاب أوليفييه كريستين لصحيفة لوفيغارو بأن من بين 1,500 فرنسي سافروا إلى مناطق الصراع في سوريا والعراق منذ العقدين الماضيين، عاد 390 إلى فرنسا، وقُتل 500، فيما لا يزال نحو 100 داخل جيب إدلب، و150 محتجزين في شمال شرق سوريا والعراق، و300 في عداد المفقودين.
علاقة ديابي بهيئة تحرير الشام
واجه عمر ديابي توترات متكررة مع جماعة هيئة تحرير الشام، التي يقودها أحمد الشرع (الجولاني).وكانت الهيئة قد اعتقلته في أغسطس 2020 بتهمة «التحريض والانقسام الداخلي»، ثم أفرجت عنه في فبراير 2022 دون إعلان الأسباب.ويرجّح مراقبون أن الإفراج عنه جاء نتيجة وساطة بين قادة أجانب في إدلب والفصائل المحلية.
🔹 ثانياً: التحليل السياسي والسياقي
1. البعد الجغرافي والسياسي
منطقة حرّيم التي وقعت فيها الاشتباكات تقع في شمال محافظة إدلب، قرب الحدود التركية.وتُعد هذه المنطقة ذات أهمية استراتيجية، إذ تمثل آخر جيب خارج سيطرة الحكومة السورية وتخضع فعليًا لسلطة هيئة تحرير الشام، مع وجود فصائل أجنبية مستقلة صغيرة الحجم مثل «فرقة الغرباء».
الهجوم الذي شنّته القوات الحكومية يشير إلى تغير في قواعد الاشتباك في الشمال السوري، خاصة مع ازدياد التنسيق الأمني غير المعلن بين دمشق وأنقرة بعد اتفاقات التهدئة الجزئية منذ 2024.
2. عمر أومسن: من جانح فرنسي إلى داعية جهادي
ولد عمر ديابي (عمر أومسن) في نيس الفرنسية عام 1976 لعائلة سنغالية مهاجرة.
كان معروفًا في فرنسا بمشاكله القانونية قبل أن يسافر إلى سوريا عام 2013.
هناك، أسس تنظيمه الخاص الذي جذب عشرات الفرنسيين، خصوصًا من الطبقة المتوسطة المهمشة في الضواحي.
لعب دورًا بارزًا في الدعاية الجهادية باللغة الفرنسية عبر مقاطع الفيديو التي تمجد القتال وتدعو إلى «الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام».
3. التحولات داخل الساحة الجهادية السورية
منذ 2022، تسعى هيئة تحرير الشام إلى تقديم نفسها كسلطة محلية أكثر «اعتدالًا» مقارنة بالجماعات الجهادية الأخرى.
وبذلك، أصبحت الجماعات الأجنبية مثل «فرقة الغرباء» عبئًا سياسيًا على الجولاني، الذي يحاول إقامة نموذج حكم إداري في إدلب لإقناع تركيا والمجتمع الدولي بقبوله كشريك ضد داعش.
لذا، فإن محاصرة مخيم أومسن قد تكون أيضًا جزءًا من تصفية الفصائل الأجنبية غير الخاضعة لسيطرة الهيئة.
4. البعد الفرنسي والدولي
ملف الجهاديين الفرنسيين في سوريا لا يزال قضية شائكة في باريس، حيث ترفض الحكومات المتعاقبة استعادة المقاتلين البالغين، مع الاكتفاء بإعادة الأطفال القاصرين.
ولذلك، فإن مطالبة باريس بتسليم اثنين من الفرنسيين إلى دمشق، كما أشار جبريل المهاجر، يُعد تطورًا لافتًا في سياسة فرنسا، التي كانت تتجنب التعامل المباشر مع النظام السوري منذ 2012.
5. الدلالات الحقوقية والإنسانية
وجود نساء وأطفال داخل المخيم يثير تساؤلات حول التمييز بين المقاتلين والمدنيين في مناطق النزاع، خصوصًا بعد استخدامهم كـ«دروع بشرية» وفق الرواية الرسمية السورية.
ويشير ذلك إلى استمرار مأساة المقاتلين الأجانب وعائلاتهم العالقين في شمال غرب سوريا، بعد تفكك داعش وتقلص نفوذ القاعدة.
ويبقى السؤال الأهم: هل سينجح الشرع في ملاحقة رفاقه القدامى أو الفصائل المقرّبة منهم، أم سيرتدّون عليه ويكفّرونه ما يضع حياته الشخصية في خطر ويزعزع أركان نظامه. فالتجربة الأفغانية حاضرة بقوة كنموذج خصوصا أن لا جيش موحدًا في سوريا يستطيع التصدي بلا دعم دولي كبير، كما ان للشرع خصومًا في أكثر من منطقة سورية قد يفيدون من الوضع الحالي، ويصبحون ساحة فضلى للمواجهة .
المراجع :
صحيفة لوموند الفرنسية
صحيفة لوفيغارو الفرنسية
وزارة الخزانة الأميركية
قسم التحرير في الوكالة العربية الافريقية