أظهرت دراسة حديثة أن قارات العالم تشهد وتيرة متسارعة من الجفاف تُهدد مستقبل المياه العذبة وتُفاقم منسوب مياه البحار، في وقت يواجه فيه ملايين البشر أزمات عطش وجفاف متزايدة.
واعتمدت الدراسة، التي أُجريت استناداً إلى بيانات جمعتها بعثتان تابعتان لوكالة الفضاء الأميركية ناسا بين عامي 2002 و2024، على تتبع التغيرات في مخزون المياه الأرضي — أي إجمالي المياه المخزّنة في الجليد والمياه السطحية والجوفية ورطوبة التربة — لتخلص إلى نتيجة مثيرة للقلق:
المناطق الجافة على سطح الكوكب تتسع سنوياً بمساحة تقارب ضعف مساحة ولاية كاليفورنيا، أي نحو مليون كيلومتر مربع.
ويحذر الباحثون من أن نصف الكرة الشمالي يشهد تشكّل ما يُعرف بـ”مناطق الجفاف الهائلة”، وهي بؤر مترابطة من الجفاف تمتد عبر قارات بأكملها. ورغم أن بعض المناطق تشهد زيادة في الرطوبة، فإن الكفة تميل بوضوح نحو الجفاف العالمي، مدفوعاً أساساً باستنزاف المياه الجوفية لأغراض الزراعة، وهو ما يُمثل 68% من التغيرات المسجّلة.
كما تساهم ذوبانات الجليد والتربة الصقيعية في كندا وروسيا، وموجات الجفاف القاسية في أوروبا وأميركا الوسطى، في تعميق الأزمة. ووفقاً لبيانات الدراسة، يعيش نحو 6 مليارات شخص — أي ثلاثة أرباع سكان العالم — في مناطق تتراجع فيها موارد المياه العذبة باستمرار.
ويؤدي تراجع المياه في اليابسة إلى زيادة تدفقها إلى البحار، ما يجعلها الآن أحد أهم العوامل المساهمة في ارتفاع مستوى سطح البحر، متجاوزة حتى ذوبان الصفائح الجليدية.
ويأتي هذا البحث بعد تقرير لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، أكد أن بعض أشد موجات الجفاف المسجّلة تاريخياً وقعت منذ عام 2023، وتسببت بموجات نزوح ومجاعات، خصوصاً في جنوب وشرق إفريقيا، حيث يدفع تغيّر المناخ وظاهرة النينيو وسوء إدارة المياه ملايين الأشخاص نحو انعدام الأمن الغذائي.
وفي الصومال وحده، تسبب الجفاف عام 2022 في وفاة نحو 43 ألف شخص. أما في إسبانيا، فتعاني 60% من الأراضي الزراعية من الجفاف، فيما تواجه 88% من أراضي تركيا خطر التصحر.
وقال الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إبراهيم ثياو، إن “الجفاف لم يعد تهديداً مستقبلياً بل واقعاً متسارعاً يتطلب تعاوناً عالمياً عاجلاً”، مشدداً على أن نقص الماء والغذاء والطاقة معاً هو “الوضع الطبيعي الجديد” الذي على البشرية الاستعداد له.
ويوصي التقرير بسلسلة إجراءات عاجلة تشمل تحسين إدارة المياه، وإصلاح البنية التحتية المتهالكة التي تهدر حتى 80% من المياه في بعض الدول، وتعزيز النظم البيئية، وخفض انبعاثات الغازات الدفيئة. كما يدعو إلى تحول عالمي نحو ممارسات زراعية أكثر استدامة، إذ يبقى القطاع الزراعي المستهلك الأكبر للمياه العذبة في العالم.
