نجاي ديوب-داكار
سجّلت القارة الأفريقية خلال النصف الأول من عام 2025 أسرع معدل نمو في السياحة على مستوى العالم، وفقاً لتقرير صادر عن منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة. وأوضح التقرير أنّ أعداد الوافدين الدوليين إلى أفريقيا ارتفعت بنسبة 12% مقارنة بالفترة عينها من العام الماضي، ما يضع القارة في صدارة الوجهات السياحية الأسرع نمواً على مستوى العالم. ويرجع هذا النمو إلى عوامل متشابكة، أبرزها تحسن الاستقرار الأمني والسياسي في عدة دول أفريقية، إلى جانب زيادة الاستثمارات في البنية التحتية السياحية. فقد شهدت وجهات مثل المغرب، جنوب أفريقيا، كينيا، رواندا وتنزانيا ارتفاعاً ملحوظاً في أعداد الزوار، مدعومة بتوسيع خطوط الطيران، وتسهيلات التأشيرات، والحملات الترويجية التي تبرز ثراء التراث الثقافي والطبيعة البكر.
ورغم عدم وجود إحصائيات شاملة لكلّ الدول الإفريقية بما فيها الدول العربيّة الافريقية لجهة عدد السيّاح الذين زاروها هذا العام، والمردود المالي الذي توفّر لخزائن هذه الدول، فإن حسابًا بسيطًا يُمكن ان يعطينا فكرة عن ذلك، فمع زيادة 12%، يكون عدد السياح قد تراوح بين 78-90 مليون سائح دولي للنصف الأول. وإذا افترضنا متوسط إنفاق سائح دولي بـ 1000-1500 دولار أمريكي كمعدل تقريبي لبعض الدول، فإن المردود الإجمالي القاري قد يكون في نطاق 80-130 مليار دولار للسنة، على الأقل.
وفي شمال أفريقيا، برزت مصر وتونس كمحطات جذب رئيسية، مستفيدة من تنوع المنتج السياحي بين الشواطئ والمتاحف التاريخية والمهرجانات. بينما سجلت شرق أفريقيا قفزة بفضل السياحة البيئية وسفاري الحياة البرية في كينيا وتنزانيا وأوغندا.
السياحة البيئية والرياضية
تؤكد التقارير أنّ السياحة لم تعد مقتصرة على الشواطئ والآثار، بل امتدت لتشمل أنماطاً جديدة مثل السياحة البيئية، والسياحة الرياضية، وسياحة المؤتمرات. رواندا على سبيل المثال تحوّلت إلى وجهة رائدة لعقد المؤتمرات الدولية، فيما جذبت سباقات الماراثون والفعاليات الرياضية آلاف الزوار إلى إثيوبيا وكينيا.
نتائج اقتصادية كُبرى ولكن
بحسب تقديرات خبراء الاقتصاد، فإن نمو السياحة في أفريقيا يترجم إلى ملايين فرص العمل المباشرة وغير المباشرة في قطاعات الفنادق، النقل، الخدمات الغذائية، والصناعات التقليدية. كما يشكل مصدر عملة صعبة ضروري لتعزيز موازنات دول تعاني من ضغوط الديون وتذبذب أسعار المواد الأولية.
ويشير تقرير الأمم المتحدة إلى أنّ عائدات السياحة في بعض الدول الأفريقية قد ارتفعت بأكثر من 15% خلال النصف الأول من 2025، وهو ما يعكس قدرة هذا القطاع على دعم خطط التنمية الاقتصادية المستدامة.
رغم هذا النمو، لا تزال القارة تواجه تحديات تعيق استدامة الزخم السياحي، بينها ضعف البنية التحتية في بعض الدول، وتفاوت مستويات الأمن، إضافة إلى الحاجة لتعزيز حماية البيئة في مواجهة التوسع العمراني غير المنظم. كما تبقى مسألة تسهيل تنقّل السياح داخل القارة قضية رئيسية، إذ يواجه العديد منهم صعوبات في الحصول على تأشيرات متعددة الوجهات.
هذا كله لا يمنع أنَّ أفريقيا باتت على أعتاب مرحلة جديدة، إذ تتحول تدريجياً من “قارة الموارد الطبيعية” إلى “قارة التجارب السياحية”. وإذا ما تمكنت الحكومات الأفريقية من معالجة التحديات البنيوية والاستثمار في الابتكار السياحي، فإن القارة مرشحة لأن تصبح أحد أبرز مراكز الجذب السياحي العالمي خلال العقد المقبل.