أعلنت حكومة مالي أن المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا (BADEA) سيقدم قرضًا جديدًا بقيمة 4.41 مليار فرنك أفريقي (7.87 مليون دولار أمريكي)، بعد مصادقة مجلس الوزراء.
ويهدف القرض إلى تعزيز حصة مالي في رأس مال صندوق التضامن الأفريقي، بما يسمح للشركات الصغيرة والمتوسطة في منطقة الساحل بالحصول على قروض استثمارية.
ويأتي هذا الدعم في وقت تتحضر فيه باماكو لاحتضان منتدى التنمية الزراعية لتحالف دول الساحل بين 18 و20 سبتمبر، حيث تسعى الحكومة إلى وضع رؤية مشتركة لتطوير القطاع الزراعي، وجذب الاستثمارات، وتعزيز الأمن الغذائي الذي لا يزال من أبرز التحديات في البلاد.
ورغم هذه الجهود، يبقى الاقتصاد المالي نموذجًا صارخًا للتناقض بين الثروات الضخمة التي يمتلكها والفقر الذي يعانيه سكانه. فمالي، التي يفوق عدد سكانها 19 مليون نسمة، تعد من أغنى الدول الأفريقية بالموارد المعدنية والزراعية، لكنها تصنف ضمن أدنى المراتب عالميًا من حيث مؤشرات التنمية. إذ يسجل معدل الفقر أكثر من 42%، فيما تبلغ البطالة نحو 9.8%، ويُتوقع أن يتراجع معدل النمو إلى 4.9% خلال 2025.
وتتمتع مالي بموارد طبيعية هائلة يأتي الذهب في مقدمتها، حيث تحتل المرتبة الثالثة أفريقيًا بإنتاج يبلغ 61.6 طنًا سنويًا وصادرات بقيمة 2.4 مليار دولار تمثل 70% من إجمالي الصادرات. كما تضم احتياطيات معتبرة من اليورانيوم تُقدر بـ100 مليون طن، إلى جانب الفوسفات والحجر الجيري والبوكسيت والحديد. لكن الاضطرابات الأمنية وهيمنة جماعات مسلحة على مناطق إنتاج رئيسية، تعيق استغلال هذه الثروات بشكل فعّال.
وعلى الصعيد الزراعي، تُعد مالي من أبرز منتجي القطن في القارة بإنتاج سنوي يقارب 762 ألف طن، إلى جانب محاصيل أساسية مثل الأرز الذي يفوق إنتاجه 2.7 مليون طن، والذرة بما يزيد على 1.7 مليون طن. كما تمتلك البلاد ثروة حيوانية تُقدر بـ34 مليون رأس من الأغنام والماعز، تمثل مصدر رزق لملايين الأسر الريفية. ومع ذلك، تظل الزراعة عرضة لتقلبات المناخ وضعف البنية التحتية.
هذا التناقض بين وفرة الموارد وتردي المؤشرات الاقتصادية لا يمكن فصله عن السياق السياسي والأمني الهش الذي تعيشه مالي منذ استقلالها عام 1960. فقد شهدت البلاد أربعة انقلابات عسكرية، وتحولت إلى ساحة مفتوحة للإرهاب، ما جعلها تعتمد بشكل متزايد على القروض والمنح الخارجية لمواجهة أزماتها. وتقدر ديونها الخارجية اليوم بأكثر من 5 مليارات دولار، بينما تتراوح قيمة صادراتها الإجمالية عند 2.5 مليار دولار مقابل واردات تقارب 2.9 مليار دولار.
ويأتي القرض الجديد من BADEA، إلى جانب تخصيص الحكومة 20 مليون دولار لدعم الأمن الغذائي في أغسطس الماضي، ليؤكد استمرار الاعتماد على الدعم الدولي كركيزة لتمويل التنمية. لكن هذا الدعم، مهما بلغت قيمته، يظل محدود الأثر إذا لم يترافق مع إصلاحات هيكلية تعالج جذور الأزمة وتعيد الثقة للمستثمرين.
في المحصلة، يقف الاقتصاد المالي أمام مفترق طرق: إما أن يظل أسير الديون الخارجية والاضطرابات، أو أن يستغل ثرواته الزراعية والمعدنية الهائلة في بناء نموذج تنموي أكثر استدامة. ويبقى الرهان الأكبر على قدرة باماكو على تحقيق الأمن الداخلي وتعزيز الشفافية، بما يحول مالي من “أرض أزمات” إلى لاعب اقتصادي فاعل في منطقة الساحل وغرب أفريقيا.