افتتح الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، في قصر المؤتمرات “المرابطون” بالعاصمة نواكشوط، أعمال النسخة السابعة من مؤتمر ومعرض موريتانيد 2025 للطاقة والمعادن، تحت شعار: “موريتانيا أرض الفرص”.
ويُعد هذا الحدث، الذي يستمر ثلاثة أيام، المنصة الاقتصادية الأكبر في البلاد، إذ يجمع مسؤولين حكوميين وخبراء دوليين ورؤساء بعثات دبلوماسية، إلى جانب ممثلي شركات عالمية عاملة في مجالي التعدين والطاقة.
ويهدف المؤتمر إلى إبراز الثروات المعدنية الهائلة لموريتانيا – من الحديد والذهب والنحاس والفوسفات، وصولًا إلى الغاز الطبيعي – مع تعزيز جاذبية البلاد كوجهة استثمارية واعدة في الصناعات الاستخراجية. وقد شهد اليوم الأول افتتاح أجنحة المعرض المصاحب، حيث استعرضت شركات وطنية وعالمية ابتكاراتها وحلولها التقنية، فيما تركزت الجلسات الوزارية والحوارات المتخصصة على سياسات الحوكمة والشفافية وجاذبية الاستثمار في القطاع.

وخلال كلمته بالجلسة الافتتاحيه لمؤتمر ومعرض “موريتانيد 2025″، أكد قال وزير المعادن والصناعة، اتيام التيجاني، إن موريتانيا تفتح صفحة جديدة في تاريخ قطاعيها المعدني والطاقوي عنوانها “التحديث والابتكار والاستدامة”، بهدف أن تصبح قطبا مرجعيا في إفريقيا وفاعلا مؤثرا على الساحة الدولية.
ودعا الوزير جميع الشركاء إلى استكشاف الإمكانات الهائلة لموريتانيا، مؤكداً أن الشراكة تتجاوز الأبعاد التجارية لتشمل رغبة صادقة في بناء تعاون مسؤول ومثمر يعود بالنفع على الوطن وشركائه معا.

ثروات طبيعية تعزز الاقتصاد
يمثل قطاع المعادن الركيزة الأساسية للاقتصاد الموريتاني؛ إذ تشكل الصناعات الاستخراجية 30% من الناتج الداخلي الخام، وتستحوذ على 78% من الصادرات. وتبقى الشركة الوطنية للصناعة والمناجم (سنيم) الرائد الصناعي الأبرز، بفضل استغلالها للحديد والذهب، فضلًا عن توسعها في مجالات الصناعات التحويلية مثل البناء والتصنيع الميكانيكي وصناعة قطع الغيار. ويعمل في شركات المعادن قرابة 16 ألف موريتاني، ما يعكس أهمية هذا القطاع في خلق فرص العمل.
خلال الربع الأول من 2025، سجلت الصادرات الموريتانية مستوى قياسيًا بلغ 45.65 مليار أوقية موريتانية (حوالي 1.1 مليار دولار)، مقارنة بـ38.57 مليار أوقية في الربع السابق، في حين ظلت الواردات في حدود 49 مليار أوقية (1.25 مليار دولار) بنهاية 2023، ما يؤكد استمرار فجوة الميزان التجاري رغم تحسن العائدات المعدنية
مشروع الغاز المشترك مع السنغال
يُنظر إلى مشروع الغاز البحري العملاق المشترك بين موريتانيا والسنغال بوصفه نقطة تحول كبرى. ومن المقرر أن يدخل مرحلة الإنتاج خلال السنوات القليلة المقبلة، ليعزز مكانة موريتانيا كمحور رئيسي في سوق الطاقة الإقليمية، ويؤهلها لمنافسة منتجي الغاز في غرب إفريقيا. وبفضل موقعها الجغرافي على المحيط الأطلسي، يمكن أن تصبح البلاد منصة استراتيجية لتصدير الغاز والمعادن إلى أوروبا وإفريقيا.
الصناعات التحويلية: خطوات واعدة وتحديات قائمة
رغم هيمنة الصناعات الاستخراجية، تسعى الحكومة لتطوير الصناعات التحويلية، خصوصًا في قطاع الثروة السمكية الذي يشكل أحد أعمدة الاقتصاد. فقد بلغت صادرات الصناعات السمكية التحويلية أكثر من 16 ألف طن في 2023، فيما وصلت قيمة الصادرات الكلية من المنتجات البحرية إلى 161 مليون دولار (15% من إجمالي الصادرات).
كما تشهد البلاد نشاطًا متناميًا في مجال تصنيع الألبان ومشتقاتها عبر ست شركات توفر نحو 13 ألف وظيفة، إضافة إلى خمس شركات تعمل في صناعة المعجنات الغذائية.
وفي قطاع الثروة الحيوانية، الذي يضم أكثر من 30 مليون رأس ماشية، ما زالت البلاد تخسر حوالي 40% من إنتاج الحليب لغياب المعالجة الصناعية، ولا يدخل من الجلود إلا 6% فقط مرحلة التصنيع. كذلك تظل صناعة النسيج والسجاد (الزرابي) تقليدية وغير قادرة على المنافسة أمام المستورد.
مؤشرات النمو والتحديات
أعلنت الحكومة أن مؤشر الإنتاج الصناعي ارتفع بنسبة 7.3% في 2023 مقارنة بالعام السابق، ما يعكس بداية تحسن في أداء القطاع الصناعي. ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر هو تنويع الاقتصاد وتقليل اعتماده على المواد الخام، خاصة أن الأسواق المحلية ما زالت تعاني من غزو الواردات الذي يحد من تطور الصناعات الوطنية.
نحو اقتصاد منافس في غرب إفريقيا
تمتلك موريتانيا جميع مقومات التحول الاقتصادي:
ثروات معدنية وغازية هائلة.
موقع استراتيجي على الأطلسي يربطها بأوروبا وإفريقيا.
قطاع صيد بحري يعد من الأغنى عالميًا.
قوة بشرية شابة قابلة للتأهيل.
لكن بلوغ مكانة تنافسية إقليمية يتطلب إصلاحات هيكلية أعمق تشمل:
تعزيز البنية التحتية للنقل والطاقة.
توسيع الاستثمار في التعليم والتكوين المهني.
تحفيز القطاع الخاص والشراكات الدولية.
تنويع القاعدة الإنتاجية نحو الصناعات الغذائية والدوائية والطاقات المتجددة.
بالنهاية يمثل مؤتمر موريتانيد 2025 فرصة تاريخية لموريتانيا لتقديم نفسها كـ”أرض الفرص” الحقيقية في التعدين والطاقة، لكنه أيضًا تذكير بضرورة استثمار عائدات هذه الثروات في بناء اقتصاد متنوع وقادر على المنافسة، حتى تتحول البلاد من مصدر للمواد الخام إلى اقتصاد صاعد في غرب إفريقيا.
