اعتذر رئيس الوزراء السنغالي عثمان سونكو عن عدم تلبية دعوة رسمية من فرنسا للمشاركة كضيف شرف في منتدى “الابتكار الجيلي بي بي آي” المقرر في باريس يوم 23 سبتمبر/أيلول المقبل، مكتفياً بإيفاد أحد وزرائه لتمثيل بلاده. ورغم أن البيان الرسمي برر الخطوة بـ”ارتباطات في أجندته”، فإنها اعتُبرت مؤشراً جديداً على برود العلاقات بين دكار وباريس.
خلفيات التوتر
الخلافات بين فرنسا والسنغال تعود إلى تراكمات سياسية واقتصادية وثقافية. فمنذ انتخاب سونكو المعروف بخطابه المناهض للنفوذ الفرنسي، تزايد الجدل حول مستقبل العلاقة الثنائية، لا سيما مع تراجع الحضور الفرنسي في القارة الإفريقية، بعد انسحاب باريس من مالي وبوركينا فاسو والنيجر، في ظل صعود خطاب يدعو إلى “تحرر إفريقي” من الإرث الاستعماري.
الاقتصاد محور الخلاف
اقتصادياً، شهدت العلاقات بين البلدين تراجعاً ملحوظاً. فحجم التبادل التجاري الذي تجاوز 3.6 مليارات دولار عام 2019، تراجع تدريجياً حتى وصل إلى نحو 2.8 مليار دولار عام 2024، مع توقعات باستمرار الانكماش خلال 2025. ويُعزى ذلك إلى توجه السنغال لتنويع شراكاتها نحو آسيا والشرق الأوسط، وتقليص اعتمادها على فرنسا كشريك تجاري رئيسي.
تراجع النفوذ الفرنسي وتقلص الشراكة الاقتصادية
تشهد فرنسا منذ سنوات انكماشاً في نفوذها داخل القارة الإفريقية، بعدما انسحبت من مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وهي دول مثلت تاريخياً دعائم لنفوذها بغرب إفريقيا. هذا الانحسار العسكري والسياسي انعكس اقتصادياً على علاقاتها بالسنغال، إذ فقدت باريس تدريجياً موقعها كشريك أول لدكار. فبينما بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 3.6 مليارات دولار عام 2019، تراجع إلى حوالي 2.8 مليار دولار في 2024، مع مؤشرات على استمرار التقلص خلال 2025، في ظل انفتاح السنغال على شركاء جدد من آسيا والخليج وتركيا. ويجسد هذا التحول اتجاهاً إفريقياً عاماً نحو بناء علاقات اقتصادية أكثر تنوعاً واستقلالية بعيداً عن النفوذ الفرنسي التقليدي.
الاستثمارات الفرنسية المباشرة
ورغم هذا التراجع، لا تزال فرنسا لاعباً اقتصادياً مهماً في السنغال عبر استثمارات مباشرة تقدر بنحو 2 مليار دولار حتى عام 2023، تتركز في قطاعات الطاقة، والبنية التحتية، والخدمات المالية. إلا أن هذه الاستثمارات تواجه منافسة متصاعدة من الصين وتركيا والإمارات، التي ضاعفت حضورها في السوق السنغالية خلال الأعوام الأخيرة. ويُنظر إلى هذا التزاحم الاستثماري بوصفه مؤشراً إضافياً على تقلص الهيمنة الفرنسية التاريخية على الاقتصاد السنغالي.
مستقبل العلاقة
ورغم هذه التوترات، تبقى فرنسا حاضرة في المشهد السنغالي عبر استثمارات في الطاقة والبنية التحتية، غير أن صعود خطاب الاستقلالية الاقتصادية والسياسية في دكار يطرح تحدياً حقيقياً أمام باريس للحفاظ على نفوذها. ومن المرتقب أن يشكل اللقاء المرتقب بين سونكو ونظيره الفرنسي في دكار اختباراً لمدى قدرة الطرفين على إعادة صياغة علاقة تقوم على “شراكة متكافئة” أكثر منها “تبعية تاريخية”.
انعكاسات إقليمية
الاعتذار السنغالي وما يحمله من دلالات سياسية واقتصادية لا يمكن فصله عن السياق الإقليمي الأوسع في غرب إفريقيا، حيث تتسارع التحولات ضد النفوذ الفرنسي التقليدي. فانسحاب باريس من عدة دول في المنطقة، وتوجه العواصم الإفريقية نحو تنويع الشركاء الاستراتيجيين، يعكسان بداية مرحلة جديدة قد تُعيد تشكيل خريطة التحالفات داخل القارة. ويأتي الموقف السنغالي ليؤكد أن النفوذ الفرنسي لم يعد مضموناً حتى في الدول التي كانت تُعتبر الأكثر استقراراً في علاقاتها مع باريس.