بقلم: كلارا غالتير وآن شيفيال *
تسعى الدول الناشئة، وكذلك أوروبا وكندا، إلى إيجاد سبل للالتفاف على الرسوم الجمركية الأمريكية. فقد حفلت الأسابيع الأخيرة بسلسلة دبلوماسية مكثفة: الصين استضافت قمة منظمة شنغهاي للتعاون في تيانجين بحضور قادة عديد من الأنظمة الاستبدادية، تخللتها استعراضات عسكرية بمناسبة الذكرى الثمانين لانتصارها على اليابان، بحضور الرئيس الروسي وزعيم كوريا الشمالية. في مشهد لافت، ظهر رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي مبتسمًا إلى جانب شي جين بينغ وفلاديمير بوتين، في زيارته الأولى إلى الصين منذ 2018، وهو ما أثار استياء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
تحالفات جديدة ضد واشنطن
فرض ترامب رسوماً عقابية على معظم دول العالم، الأمر الذي عزز التكتلات المناوئة له. فقد أعلنت روسيا والصين عن إطلاق مشروع خط أنابيب غاز ضخم بطول 7000 كلم، يربط سيبيريا بالصين، في خطوة تُعزز الشراكة بين البلدين. وفي الوقت نفسه، سعت الشركات الصينية خلال الولاية الأولى لترامب إلى نقل مصانعها نحو فيتنام والمكسيك لتجنب الرسوم الأمريكية. هذا الاتجاه توسّع: الولايات المتحدة صارت تستورد بشكل متزايد من دول جنوب شرق آسيا والهند (قبل رفع الرسوم إلى 50%) وتايوان، بنسبة 24% من إجمالي وارداتها في يوليو 2025 مقابل 17% فقط عام 2024.
صعود الصين وتحوّل البرازيل والمكسيك
تُتوقع أيضًا تسارع جهود بكين لتنويع صادراتها، خصوصًا في قطاع السيارات الكهربائية المدعوم بسياسات تجارية هجومية، إذ تطوّر شركات مثل BYD أساطيل شحن خاصة بها لتقليل التكاليف.
أما البرازيل، التي تواجه رسوماً بنسبة 50% على صادراتها للولايات المتحدة، فقد شهدت تراجعًا بلغ 18.5% في أغسطس مقارنة بالعام السابق، في حين وجدت أسواقاً بديلة في الصين والأرجنتين والمكسيك. والأخيرة أصبحت ثاني أكبر مستورد للحوم البرازيلية بعد أن تخطّت الولايات المتحدة. تسعى الدولتان إلى تعزيز اتفاقيات التجارة الحرة في قطاعات الكيمياء والإلكترونيات.
أوروبا والهند وإندونيسيا في خط المواجهة
من جهتها، كثفت المفوضية الأوروبية بقيادة أورسولا فون دير لاين مفاوضاتها لإبرام اتفاقيات تجارة حرة مع الهند وإندونيسيا، معتبرة أن “الاضطراب الاقتصادي مع تقلبات الجغرافيا السياسية يستدعي تقارب الشركاء”. أما كندا، التي هددها ترامب بجعلها “الولاية الأميركية الـ51″، فقد بدأت بدورها تنويع شراكاتها منذ وصول رئيس وزرائها الجديد مارك كارني، عبر انفتاح متزايد على أوروبا والدول الإسكندنافية.
أزمة المزارعين الأميركيين مع الصويا
لكن الأزمة الأبرز تتجلى في قطاع الزراعة الأميركية، وخاصة مزارعي فول الصويا في الغرب الأوسط. منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض، لم تشترِ الصين أي كميات من الصويا الأمريكي، في سابقة منذ 2005، بعدما كانت تشتري أكثر من نصف الإنتاج الأميركي (13.2 مليار دولار عام 2024). بكين فضّلت التحوّل إلى البرازيل حيث الأسعار أقل. هذا التراجع أرهق مئات آلاف المزارعين الذين عبّرت جمعيتهم (ASA) عن خشيتها من “ضغوط مالية خانقة”.
سياسات إنقاذ داخلية وعزلة خارجية
ترامب حاول امتصاص الغضب بإقرار قانون ضخم يمنح 60 مليار دولار لدعم الزراعة، تشمل مساعدات مباشرة للمزارعين وتأمين المحاصيل. غير أن خبراء مثل تشاك نيكلسون أو مارك بوش يرون أن “الوضع قد يكون أسوأ هذه المرة”، مع تهديد كندا والمكسيك بإجراءات مضادة.
وفي حين يروج مستشاروه لفكرة “نظام تجاري جديد”، يحذر باحثون مثل إينو ماناك (من مركز العلاقات الخارجية) من أن الولايات المتحدة، بدل أن تعيد تشكيل النظام التجاري لصالحها، قد تجد نفسها معزولة عن بقية العالم.
نُشرت المقالة في صحيفة LE FIAGRO الفرنسية