غالِبًا ما كانت افريقيا مع العرب أفضلَ ممِّا كانوا هم معها في العصر الحديث. فقبل أكثرَ من نصف قرن على تصدُّر دولة جنوب افريقيا بجرأةٍ كبيرة قضيةَ جرّ نتنياهو إلى محكمة العدل الدوليّة، كانت 31 دولة افريقية قد سارعت عام 1973 إلى قطع علاقاتها مع إسرائيل تضامُنًا مع مصرَ والقضية الفلسطينية والعرب. هذا دأبُ القارّة السمراء التي اكتوت بنار الاحتلال والاستعمار والعبودية، فصارت عبر التاريخ الحديث أولَ من يُهلّل لكلّ شعبٍ توّاق لحريّته وحقوقه.
تغيّرت وجوه الاستعمار وأساليبَه، لكن قُفّازات الحرير لا تخفي أظافر الشرّ والشجع المُمعنة في نهشِ الجسدَين الإفريقي والعربي، وهنا ذروةُ العجبِ. فكيفَ لهاتين الضفّتَين من العالم، اللتين تمتدان على مساحة تُقارب34,588,650 كيلومترًا مربَّعًا، وتضُمَّان نحو ملياري نسمة، وتُشكّلان نحو 7% من ثروات العالم، أن تتركا الأمم الأخرى تنهب ثرواتِهما وتُعيث في أراضيهما حروبًا، وخرابًا، ودماءً، ودموعًا؟
التاريخ المُشترك، والألمُ المُشترك، والثقافة المُشتركة، (خصوصا ان 10 دول عربية تضم نحو 300 مليون نسمة هي افريقية)، لكن أيضًا المصالحَ المُشتركة، أمورٌ تفترضُ توسيعًا لمجالات التعاون، وتعزيزًا للشراكات الاقتصاديّة والاستثماريّة، وتضامُنًا جيوسياسيًّا، لمواجهة عالمٍ سيزداد شراسةً وجشعًا وبحثًا عن مصادر الثروات الزراعية والحيوانيّة، والمواد الأوليّة والمعادن التي تحتاجُها التكنولوجيا والذكاء الصناعي.
لا بُدّ والحالة هذه، من إعادة قراءةٍ دقيقة لمُجمل العلاقات العربيّة الافريقيّة، وبناءِ سدودٍ متينة لمواجهة المرحلة العالمية الحاليّة والمقبلة، بحيث يستطع العرب والأفارقة حماية ثرواتهم، وحفظ مصالحهم، والتعامل مع العالم شرقًا وغربًا من منطلق الشراكة النديّة لا علاقة التبعيّة.
لعلَّ دول الخليج العربي، التي عرفت في السنوات الماضيّة كيف تنتهج طريق التوازن الدقيق بين الانفتاح الكبير على الصين وتعزيز العلاقة مع روسيا، وبين الحفاظ على العلاقات الوثيقة مع الولايات المتَّحدة الاميركيّة والغرب الأطلسيّ، تبدو سبَّاقة اليوم في طريق تعزيز روابط التعاون والمصالح مع القارة السمراء.
الأرقام تتحدث عن هذا الواقع، بحيث نجد أنّ الاستثمارات الخليجية في افريقيا تخطّت 100 مليار دولار في العقد الأخير، وازدادت نسبةُ التجارة بين الإمارات والساحل الأفريقي بنحو 30%، بحيث باتت الإماراتُ أكبرَ مستثمر خارجيّ في افريقيا بنحو 110 مليار دولار بين عام 2019 و2023 ( منها 72 مليار في مجال الطاقة المتجدّدة) ، فيما ارتفع حجمُ التجارة بين السعودية وإفريقيا بنحو 12 ضعفًا. وفي قمة السعودية–إفريقيا، أُعلن عن صندوق سعودي مخصص لإفريقيا بقيمة 40 مليار دولار لتحقيق الاستثمارات والتنمية.
هذا جدًا مفيد للجانبين، في مجالات الاستثمار والتجارة والتبادل والتنمية ومواكبة العصر، ولكن أيضًا في مجالات حماية أمنهما القوميّ والإقليميّ، ولو جمعنا ثروات الخليج مع أسواق افريقيا وقواها العاملة وأراضيها الشاسعة ومجالات الاستثمار فيها، وأضفنا كل ذلك الى المواقف المُشرّفة لإفريقيا في دعم القضايا العربية وفي مقدمها قضية فلسطين في الأمم المتحدة والمؤسسات الدوليّة، يصح القول إنّ القارّة السمراء باتت فعلا قلب العروبة الناهض.